عندما تثير موضوع الطعام مع ريم ترتسم تكشيرة على وجهها الصغير. هي لا تريد غير سندويش لبنة لتأخذه في حقيبتها إلى المدرسة، تصرّ على ذلك، حتى تتأكد أمها أنها لن تأكل سوى اللّبنة. لا يبقى أمام الوالدة إلا الرضوخ لطلب طفلتها، مثلها مثل كثيرين من الأهالي، يعنيهم أن يأكل الأطفال «السندويش» في المدرسة ريثما يعودون إلى المنزل حيث يمكن لسلطتهم أن تعود وتقلب المعادلة. قصّة السندويش، أو القضايا الغذائيّة والصحيّة عموماً، هي إحدى المشاكل اليوميّة التي يتعامل معها الأهل في الموسم الدراسي، فيقلقهم ما سيأكل أطفالهم في المدرسة، كما وزن الحقيبة المدرسيّة التي تجعل للعلم وزناً يكسر الظهر. يحاول بعض الأمّهات تنظيم نمط أولادهم الغذائي وفق برنامج معيّن، ما يلبث أن يطيحه الأطفال، مستفيدين من غياب الأهل في المدرسة ليتحكّموا هم بما يأخذونه معهم. هكذا، تقول ناديا إنّ ابنها رامي يأكل كل أصناف الطعام بسهولة في المنزل، لكنه لا يأخذ إلى المدرسة سوى سندويش «هوت دوغ». «أعرف أنّه ليس مفيداً له أن لا يأكل يومياً سوى الـ«هوت دوغ»، لكنني أنتظر عودته إلى البيت كي أعطيه ما يجب أن يأكله، بما أنّ التركيز هو على وجبة الغذاء» تقول. مسألة الطعام تبدو أكثر سهولة مع إيمان ونور، إذ تقول الفتاتان إنّهما، رغم تفضيلهما لسندويشات الـ«نوتيلّا»، تأكلان كلّ ما تضعه لهما أمّهما في الحقيبة.
بالنسبة إلى اختصاصيّة التغذية جويا فرحات، «يجب أن نجعل الطفل يكتسب العادات الجيّدة والصحيّة في الغذاء منذ البداية كي يعتادها». وعن نصائحها لما يجب أن يأكله الطفل في المدرسة، تقول: «من الأفضل أن نعطي الأطفال سندويش في فترة الاستراحة الأولى، أمّا خلال استراحتهم الثانية، فمن المفضّل أن نعطيهم الفاكهة أو الخضار أو حلوى مثل الوايفر. ويجب أن نختار الخبز الأسمر للسندويش بما أنّه غني جداً بالألياف بسبب قشرة القمح التي تعطي الطفل إحساساً أكبر بالشبع وتحسّن عملية الهضم لديه، وتحلّ مشكلة الإكتام لدى الأطفال، وهي تحتوي على بوتاسيوم وحديد أكثر من الخبز الأبيض». وتشرح أن «التنويع مهم في السندويش كما في الفاكهة. فيجب إعطاء الولد سندويش جبنة أو لبنة أو حبش، والتنويع في الفاكهة، لكن تجنّب إعطاء الفاكهة التي تحتاج إلى تقشير بما أنّه سيصعب عليه أكلها فيغضّ النظر عنها نهاية. كذلك يفضّل إعطاء الأطفال الذين يعانون الوزن الزائد لبنة أو جبنة خفيفة الدسم والابتعاد عن الجبنة الصفراء. وحتى يحافظ السندويش على جودته، يمكن لفّه بورق المطبخ الشفاف وفوقها ورقة ألومنيوم أو وضعه في أكياس المطبخ التي يمكن سحب الهواء منها وإغلاقها بما أنّ شكل الطعام مهم جداً أيضاً لتحفيز الطفل على تناوله. ضمن الحدود الصحيّة على الأهل أن يدخلوا لعبة التبديل التي يفرضها عليهم أولادهم». وتفضّل فرحات هنا أن لا يجبر الأهل أولادهم على تناول ما لا يحبونه «إذا كان الولد لا يحب التفاح مثلاً يمكن استبداله بفاكهة ثانية، لكن طبعاً لا يمكن مجاراتهم عندما لا يطلبون سوى الأطعمة الجاهزة». وفي هذا الإطار تحكي غادة عن ابنها الذي يعيد دوماً في كيس طعامه التفاحة التي يرفض أكلها. لم يكن يتناولها إلا حين كانت تجبره المعلّمة. بعدها أصبح أكثر حرصاً، وصار يطلب من أمّه أن لا تضع تفاحة في كيسه حتى لا يُجبر بعدها على أكلها.
لكن قبل السندويش، تشدّد فرحات على أهميّة تناول الفطور قبل الانطلاق إلى المدرسة، بما أنّ الدراسات الحديثة أثبتت أن التلميذ الذي يتناول إفطاراً جيداً يعطي نتيجة أفضل خلال أول ثلاث ساعات دراسيّة وقدرته على التركيز والاستيعاب أكبر. تضيف فرحات أنّ «الفطور يمكن أن يكون بسيطاً ككوب من الحليب، وهو الأهم، مع سندويش صغير أو «كورن فليكس» أو فاكهة».
تتفاوت درجات تقبّل الحليب لدى الأطفال؛ إذ إنّ إيمان ونور تشربانه يومياً في الصباح من دون مشاكل، لكن عندما تسأل إيمان، تلميذة الابتدائي الثاني لم لا تأكل شيئاً إلى جانبه تفكّر قليلاً ثم تقول: «مش معوّدين»، مؤكّدة بذلك نظريّة فرحات عن عادات الطفل. كذلك ابن الخامسة، محمد جواد، لا مشكلة لديه مع الحليب، بل على العكس يقول والده معين إنّه يحبّه كما يحب الحلوى، وهو مستعدّ لشربه في أي وقت. بينما تعود التكشيرة إلى وجه ريم عند ذكر الحليب، فهي لا تشربه. عوضاً عنه تطلب الشاي واللبنة صباحاً، فيما تقول فرح إنّ ابنتها لانا لا ترضى بشربه إلاّ ممزوجاً بالشوكولا. هنا يدخل الأهل لعبة الطفل مجدداً. تقول جويا فرحات إن كان الطفل يرفض الحليب فلا بأس من إعطائه «النسكافيه» مثلاً، وخصوصاً الخالي من الكافيين، بما أنّ الـ«نسكافيه» تأثيره ضئيل جداً على امتصاص الكالسيوم، أو الكاكاو والحليب بالشوكولا أو الفريز. ويمكننا كذلك أن نركّز على اللبن في الطعام أو علب اللبن مع الفواكه أو الشوكولا. «المهم أن نحافظ على مصدر للكالسيوم وجعله يبتعد عن المشروبات الغازيّة الذي يخفّف من نسبة الكالسيوم في العظام» تقول فرحات.
اليوم، أصبح هناك خيار إضافي أمام الأهل، هو مطبخ المدرسة الذي تطعم من خلاله التلامذة في «الكانتين». تجربة «الكانتين» لم تكن سيئة بالنسبة إلى غادة، بل على العكس أصبح أولادها، محاطين بأصدقائهم، يأكلون فيها «إرادياً» ما لا يأكلونه عادة في البيت. لكنّ سنتين في الـ«كانتين» كانتا كافيتين بالنسبة إليهما، فهم هذه السنة لا يريدون أن يأكلوا فيها، بما أنّ السندويش يمكن أكله أثناء اللعب. ترى فرحات أن «لا مشكلة في أن يأكل الأولاد في «كانتين» المدرسة، شرط أن يتأكّد الأهل من النظافة فيها ومن أنّ الأكل صحّي ومتنوّع».
ومع العودة إلى المدرسة، ينبّه الأهالي أيضاً أطفالهم إلى أهميّة عدم السماح لأصدقائهم بأن يشربوا من «مطرتهم». تمدّ إيمان لسانها تعبيراً عن قرفها عندما نسألها إن كانت تسمح لأصدقائها بأن يشربوا من «مطرتها». يفضّل بعض الأهالي أن يعطوا أولادهم «القناني المعبأة» بدل «المطرة» بما أنها «أنظف». توافق فرحات على أفضليّة خيار «القناني المعبّأة»، شرط أن نرميها بعد استعمالها ولا نعيد غسلها وتعبئتها. «لكن أيضاً «المطرة» غير مضرّة بصحّة الأطفال إذا لم نضعها لوقت طويل في الشمس، إذ عندها يمكن البلاستيك أن يفرز مواد سامة» تقول.
تضاف إلى الهموم الغذائيّة لدى الأهالي مشكلة وزن الحقيبة المدرسيّة. يقول دكتور جراحة العظم نبيل ضاهر إنّه يجب أن تكون الحقيبة متوازنة على كتفي التلميذ كي لا تسبب له أوجاعاً. ويضيف: «يكمل العظم نموّه حتى عمر 18 سنة، والأوزان في الحقائب المدرسيّة يمكن أن تسبب التواءً بالعمود الفقري. نرى الكثير من هذه الحالات في مراحلها الأولى في عياداتنا، وأكثر ما يمكن أن يفيد الأولاد في هذه الحالات هو السباحة. والجلوس بطريقة خاطئة في المدرسة يمكن أن يسبب مثل هذه الحالات أيضاً». يضيف ضاهر أنّ عوارض الالتواء في العمود الفقري هي الألم في الظهر ولا يرى الحلّ في نماذج الحقائب المختلفة في السوق، بل يجب أن يأتي الحلّ من المدرسة التي عليها أن تخفّف من وزن الكتب عبر تقسيمها إلى أجزاء.