كان اليوم السوري الطويل، أمس، بمثابة تكملة لأحداث وتطورات اليوم الذي سبقه، إذ إنّ كل ما شهدته الساعات الماضية كان أشبه بردود فعل على قرارات وزراء الخارجية العرب، وخصوصاً من قبل السلطات السورية. الأبرز كان الرسائل الثلاث المتوازية التي بعثت بها دمشق إلى «الطرف العربي»: طلب عقد قمّة عربية طارئة لمناقشة الأزمة السورية و«تداعياتها على الأمن القومي العربي»، مع تجديد الإعراب عن الترحيب بوفد مراقبين وخبراء عرب يزور المدن السورية في الساعات المقبلة، إضافة إلى استعراض قوة جديد قدمه النظام تنديداً بقرارات الوزراء العرب، أكان في الشارع والتظاهرات الحاشدة، أم في مهاجمة سفارات ومصالح الدول التي بات ينظر إليها على أنها أشبه بـ«المعادية»، وتحديداً السعودية وفرنسا وتركيا وقطر وليبيا. من الجهة العربية المقابلة، تولّى الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي مهمة الإشارة إلى أن الجامعة تدرس استحداث «آلية» لتوفير الحماية للشعب السوري، مع تحديد موعد جديد لاجتماع وزراء الخارجية العرب بشأن سوريا يوم الأربعاء المقبل في المغرب.
وأعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الجزائرية عمار بيلاني أن اجتماعاً استثنائياً لوزراء الخارجية العرب سيعقد يوم الأربعاء 16 الجاري في الرباط لبحث الملف السوري على هامش أعمال منتدى تركيا ـــــ البلدان العربية. وكان وزير الخارجية الجزائري مراد مدلسي قد لمّح الى هذا الاجتماع في مؤتمر صحافي عقده مع نظيره المصري محمد كامل عمرو، عندما قال إن «تعليق عضوية سوريا مؤقّت ويمكن رفعه في أقرب وقت ممكن»، في إشارة الى تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية، مضيفاً «ولماذا ليس قبل السادس عشر من هذا الشهر بما أن هناك اجتماعاً مقرراً في الرباط في هذا التاريخ».
وقد استبقت دمشق هذه الإعلانات بالدعوة إلى عقد قمة عربية طارئة لمعالجة الأزمة السورية و«تداعياتها السلبية على الوضع العربي»، بحسب وكالة الأنباء الرسمية «سانا» التي نقلت عن مصدر مسؤول قوله «نظراً إلى أن تداعيات الأزمة السورية يمكن أن تمس الأمن القومي وتلحق ضرراً فادحاً بالعمل العربي المشترك، فإن القيادة السورية تقترح الدعوة العاجلة إلى عقد قمة عربية طارئة مخصصة لمعالجة الأزمة السورية والنظر في تداعياتها السلبية على الوضع العربي». وأضافت الوكالة إن المصدر أعرب عن ترحيب القيادة «بقدوم اللجنة الوزارية العربية الى سوريا قبل السادس عشر من الشهر الجاري»، التاريخ المحدد لبدء سريان قرارات تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية في حال عدم تنفيذ بنود الخطة العربية لوقف العنف.
ورحبت القيادة السورية باصطحاب اللجنة «من تراه ملائماً من مراقبين وخبراء مدنيين وعسكريين من دول اللجنة ومن وسائل إعلام عربية للاطلاع المباشر على ما يجري على الأرض والإشراف على تنفيذ المبادرة العربية بالتعاون مع الحكومة والسلطات السورية المعنية»، بحسب المصدر نفسه. وانتقلت السلطات السورية إلى موقع المصرّ على تنفيذ المبادرة العربية، وذلك عندما ناشدت الجامعة العربية، «وفي مقدمها أمينها العام، التحرك السريع لوضع هذه المقترحات موضع التنفيذ». ولفت المصدر السوري الى أن القيادة السورية اتخذت هذا القرار «بصرف النظر عن الدخول في جدل عقيم حول ميثاقية وقانونية قرار مجلس الجامعة العربية على المستوى الوزاري، ومدى تلازم هذا القرار مع أهداف ومبادئ ميثاق الجامعة العربية». وتابع المصدر إنّ «سوريا، التي وافقت على خطة العمل العربية، لا تزال ترى فيها إطاراً مناسباً لمعالجة الأزمة السورية بعيداً عن أي تدخل خارجي، ورغم كل ما شاب هذه المبادرة من نواقص وثغر وافتقارها إلى الآليات العملية التي يجب الاتفاق عليها بين الحكومة السورية واللجنة العربية لتنفيذها».
ورحّب مصدر دبلوماسى مصري في اتصال مع «الأخبار»، بإعلان الحكومة السورية أنها لا تزال ترى في خطة العمل العربية إطاراً مناسباً لمعالجة الأزمة. وقال المصدر إن الموقف المصري «يلتقي مع المواقف السورية الرافضة رفضاً تاماً لأي تدخل أجنبي في الشأن السوري تحت أي مسمى». وعن دعوة سوريا إلى عقد قمة عربية طارئة وقيام وفد من اللجنة العربية بزيارة سوريا، علّق المصدر المصري نفسه بالإعراب عن أمله بأن «تتجاوب الحكومة السورية مع الجهود العربية على نحو إيجابي، وألا تكون مقترحاتها هذه لمجرد المناورة وكسب المزيد من الوقت». ورغم أنّ مصادر الجامعة العربية أكدت عدم نيتها اتخاذ إجراءات جديدة ضدّ دمشق من نوع فرض حظر جوي أو الموافقة على تدخل دولي، إلا أن المصادر نفسها أكدت أنه «في حالة عدم الاستجابة السورية قبل السادس عشر من الشهر الجاري لبنود الخطة العربية، فيرجّح أن يعترف مجلس الجامعة العربية بالمعارضة السورية».
في المقابل، أعلن نبيل العربي، من العاصمة الليبية طرابلس، في مؤتمر صحافي عقده مع رئيس المجلس الوطني الانتقالي الليبي مصطفي عبد الجليل، أن الجامعة «تدرس تقديم تصوّر لآلية يقبلها الوزراء العرب ويقررونها لتوفير الحماية للشعب السوري ووقف نزف الدم»، لافتاً إلى أن المعارضة السورية بجميع أطيافها ستجتمع يوم غد، وستعرض نتائج اجتماعها على المجلس الوزاري للجامعة. غير أنه فضّل عدم التحدث كثيراً عن موضوع اعتراف الجامعة بالمجلس السوري، لأن «هذا موضوع ربما يكون سابقاً لأوانه». وفي السياق، ذكّر العربي بالقرار الذي اتخذته الجامعة العربية لحماية المدنيين في ليبيا، معتبراً أن ذلك الموقف كان «أمراً طبيعياً».
في غضون ذلك، خرجت أعداد كبيرة من السوريين في تظاهرات غضب في عدة مدن، احتجاجاً على قرارات الجامعة العربية العقابية بحق دمشق. وشهدت الساحات العامة في دمشق وحلب وطرطوس واللاذقية والسويداء والحسكة ودرعا والرقة ودير الزور وحمص وحماه وإدلب، توافد حشود وهم يحملون الأعلام السورية وصور الرئيس السوري بشار الأسد ولافتات تندد بقرارات الجامعة. وأظهر التلفزيون السوري الحشود الكبيرة وهي تحمل لافتات «وفاء لسوريا بمواصلة الصمود بوجه المؤامرات التي تحاك ضدها وتستهدف دورها القومي وبأن يبقوا حماة سوريا ضد هجمات الأعداء والمتآمرين»، إضافة إلى شتائم ضد تركيا وزعماء الخليج. وفي حماه، تحوّل مشروع تظاهرة مؤيدة للنظام، إلى ساحة قُتل فيها 8 أشخاص بحسب ناشطين معارضين، أوضحوا أنه «في حماه، قادت قوات الأمن الموظفين الحكوميين والطلبة الى ساحة العاصي حين انفصلت مجموعات وبدأت تهتف قائلة الشعب يريد إسقاط النظام، وفرّوا الى الأزقة، لكن تمت ملاحقتهم وقتل 8 منهم» وفق وكالة «رويترز».
أما على صعيد مهاجمة السفارات والقنصليات، فقد سُجّلت حوادث ضد البعثات الدبلوماسية التركية في دمشق وحلب واللاذقية، إضافة إلى سفارات السعودية وليبيا وقطر في دمشق والقنصلية الفرنسية في اللاذقية، وذلك بين ليل السبت ـــــ الأحد، ونهار الأحد. وكان الأبرز أن تركيا ردّت بإجلاء عائلات دبلوماسييها والموظفين «غير الأساسيين» من سوريا، مع بقاء السفير التركي في سوريا عمر أونهون وأبرز الدبلوماسيين على رأس عملهم في سوريا، إضافة إلى استدعائها القائم بالأعمال السوري إلى وزارة الخارجية في أنقرة، «للاحتجاج ولطلب توفير دمشق حماية للبعثة الدبلوماسية التركية»، وفق وزارة الخارجية التركية، مع تحذير أنقرة مواطنيها من السفر إلى سوريا «لغير الضرورة». أما رد الفعل الفرنسي على اقتحام قنصليتي فرنسا الفخرية في اللاذقية وفي حلب، فقد جاء على صورة استدعاء السفيرة السورية في فرنسا لمياء شكور للاحتجاج. مواقف منددة بقوة صدرت أيضاً عن مجلس التعاون الخليجي وأمينه العام عبد اللطيف الزياني حيال «الاعتداءات» التي تعرضت لها السفارتان السعودية والقطرية في دمشق، لكون ذلك «يمثل انتهاكاً للأعراف الدبلوماسية الدولية المتعلقة بالبعثات الدبلوماسية».
وفي السياق، وجهت سفارة ليبيا في دمشق مذكرة احتجاج الى وزارة الخارجية السورية بعدما تعرض مقرها للرشق بالحجارة من قبل محتجين سوريين أمس في حي أبو رمانة وسط دمشق. وكانت تقارير إخبارية قد ذكرت أنّ مجموعة من المتظاهرين اقتحموا مقر السفارة السعودية في دمشق، وحطّموا زجاج نوافذها وعبثوا بمحتوياتها. وهو ما نجم عنه استنكار الرياض، داعيةً السلطات السورية إلى حماية المصالح السعودية على أراضيها.
(الأخبار، أ ف ب، رويترز، يو بي آي)