القاهرة | أوله «بار ستلا» وآخره مقهى كان يجلس فيه الشيوعيون، وتحوّل إلى صيدليّة. «هدى شعراوي» أحد شوارع القاهرة القليلة يحمل اسم امرأة، وواحد من شوارع نادرة في وسط البلد احتفظت بهدوئها، على بعد خطوات من الزحام والباعة الجوالين في الشوارع المجاورة، وكلها شوارع «باشوية»: طلعت باشا حرب، صبري باشا أبو علم، يقيم بينهما اسم هدى شعراوي ولا غرابة. أبوها محمد سلطان باشا، وزوجها علي باشا شعراوي.
رفقة أرستقراطية شكلت حماية للشارع الذي احتفظ برونقه ربما لخلوّه من محالّ الملابس التي تجذب المتسوقين والمتسولين. بعد خطوات من البار الشهير، يقع مطعم «فلفلة» في مواجهة مقهى «زهرة البستان» المؤدي إلى «كافيه ريش». وبعد خطوات، ترتفع «وكالة أنباء الشرق الأوسط»، وعلى الرصيف المقابل عمارتان توأمان، يظنهما العابر مبنى واحداً، أسفلهما متجران للتحف والأنتيكات، وداخل البنايتين مراكز للثقافة، منها «دار شرقيات»، وغاليري عادل السيوي. وعلى طرفهما مطعم للوجبات الحديثة يؤدي يميناً إلى مقهى «الندوة الثقافية»، ومطعم آخر ينقسم إلى محلين متجاورين. بين هذه وتلك، تطل الخلفية الضخمة للمول التجاري الذي كان الأول في زمانه شبه الغابر. أسفله عربة لبيع الكبدة، لم تتراكم إلى جوارها ــ لحسن الحظ ــ زميلات أخريات، إلا عربة فول صباحية تختفي قبل صعود الشمس. في مواجهة العربتين، مكتبة قديمة للكراسات والأقلام. بعدها بأمتار افتتحت مكتبة للكتب كأنما تعالج خطأ الأولى. أمامها خضريّ يهتم بأناقة خضرواته لتعجب زبائنه الأجانب. قبل النهاية، يعلو المبنى التاريخي لوزارة الأوقاف التي بدأ فيها نجيب محفوظ سلّمه الوظيفي، يمكن مواصلة السير لآخر الشارع حتى ناصية «شارع شريف باشا» حيث يسهر بائع الصحف، ويمكن العودة إلى أول الشارع المتعامد على «طلعت حرب»، حيث يبدأ ضجيج الوسط المديني. وسط البلد، مثلث قواعده ميادين العتبة ورمسيس والتحرير، لكنّ ثمة وسطاً لوسط البلد هو ميدان طلعت حرب والشوارع الأقرب إليه، «هدى شعراوي» أهدأها.
لم تكن شعراوي بهدوء شارعها، تزوجت في الـ 13، وتطلقت حالما استطاعت، كان من إنجازاتها رفع سن زواج المرأة إلى 16 عاماً. وقبل سنوات ليست بعيدة، في مصر القرن الـ 21، سرت شائعة عن رفع سن زواج المرأة إلى 18 عاماً، فسارع ريفيون إلى تزويج بناتهنّ قبل فرض القانون/ الشائعة، كان ذلك مدهشاً لأنه ذكّر بأنّ معركة شعراوي ما زالت في أولها. أما اليوم فيبدو ــ مع نتائج الانتخابات ـ أن معارك شعراوي لا بد من أن تخاض من جديد.