في المؤتمر السنوي ما قبل الأخير لجمعية «الطاقة الوطنية اللبنانية»، قدّمت هيئة إدارة قطاع البترول في لبنان، أمام رجال الأعمال والمستثمرين والمغتربين المشاركين في المؤتمر، عرضاً تكشف فيه عن توقّعاتها لكمّيات الموارد الغازية الموجودة في البحر اللبناني، والإيرادات التي قد تنتج منها. وتستند فيها إلى دراسة بعنوان «نحو تخطيط تدرّجي لقطاع النفط والغاز في لبنان»، أعدّتها بالتعاون مع «برنامج التنمية النروجي» عام 2017، وذلك في إطار عملها على رسم السياسات ووضع الاستراتيجيات الخاصّة بالقطاع.تشير هذه التوقّعات إلى أن «إيرادات الغاز قد تراوح بين 2.5 مليار و5 مليارات دولار سنوياً، بدءاً من تاريخ الإنتاج، الذي لن ينطلق إلّا بعد عشر سنوات من بدء عمليات الاستكشاف، ولمدّة 50 عاماً، وهي إيرادات ناجمة عن إنتاج وبيع ما لا يقلّ عن تريليون قدم مكعب من الغاز سنوياً، مُستخرجة من كلّ المياه الاقتصادية اللبنانية، علماً بأن النسبة الأكبر من هذه الكمّيات (قد تصل إلى 90%) ستذهب لتلبية حاجات السوق المحلّية التي ستنمو بنحو 8% سنوياً. في حين أن حصّة الدولة من إيرادات الغاز ستراوح بين 51% و72%». وتستند هذه التوقّعات إلى سيناريو «متفائل» تعتمده هيئة إدارة قطاع البترول في رسم سياسات القطاع واستراتيجياته، من أصل 4 سيناريوهات تذكرها الدراسة، وهو يأخذ بالاعتبار عاملين أساسيين، هما: الكمّيات الموجودة في المياه اللبنانية، ويفترض أنها تراوح بين 40-60 تريليون قدم مكعب، وأسعار بيع الغاز التي تراوح بين 2 إلى 4 دولارات لكل مليون قدم مكعب من الغاز.

أنقر على الرسم البياني لتكبيره

من هنا، يمكن الاستنتاج أنّ حجم الثروة الغازية في البحر اللبناني قد يصل إلى 50 تريليون قدم مكعب، أي ما يقارب مرّة ونصف مرّة حجم الاحتياطات الغازية المؤكّدة في حقل «ظهر» في مصر (30 تريليون قدم مكعب)، الذي يعدّ أكبر حقل غازي في البحر المتوسّط. وهو ما يعني أن كلّ بلوك بحري في لبنان يحتوي على نحو 5 تريليونات قدم مكعب في معدّل وسطي، وأن حصّة الدولة من كلّ إيرادات الغاز، في حال افتراضنا أنه جرى تلزيم كلّ البلوكات البحرية، قد تراوح سنوياً بين مليار و3.6 مليارات دولار.
فما المعايير المُعتمدة لوضع هذه التقديرات، التي تعدّ الأرقام الأولى الصادرة عن هيئة إدارة قطاع البترول للكمّيات والإيرادات المرتقبة من القطاع؟ وبالتالي ما السياسات التي توصي بها الدراسة للقطاع؟
بناءً على حقّ الوصول إلى المعلومات، طلبت «الأخبار» من هيئة إدارة قطاع البترول الاطلاع على الدراسة والحصول على الجداول الرقمية التي وردت في العرض لتحليلها والخروج باستنتاجات منها، وقد أبدت الهيئة استعدادها لإعطاء هذه المعلومات بشرط الحصول على موافقة مُسبقة من وزيرة الطاقة. أرسلنا بريداً نحدّد فيه طلبنا. أتت الموافقة من الوزارة. وحُدِّد موعد مع رئيس هيئة إدارة قطاع البترول لهذا الغرض. لكن عند اللقاء، لم يجرِ إطلاعنا على الدراسة، وأيضاً رُفِض تزويدنا بالمعلومات الرقمية المطلوبة، على الرغم من أنه سبق أن عُرِضَت علناً في المؤتمر المذكور أمام رجال الأعمال والمستثمرين.
يقول رئيس هيئة إدارة قطاع البترول وليد نصر، إن «الدراسة لا تعبّر عن المستقبل، لكون صناعة النفط والغاز تنطوي على أوجه كبيرة من عدم اليقين، وترتبط بعوامل شديدة التقلّب والتبدّل. وبأنها تضع مجموعة من السيناريوهات في سبيل تطوير استراتيجيات للقطاع، وبالتالي لا يمكن نشر الأرقام وعرضها بوصفها أرقاماً دقيقة كي لا يساء استعمالها إعلامياً أو فهمها من قِبَل الناس».
ويتابع نصر قائلاً إن «أي تقدير لكمّيات الغاز والنفط، وبالتالي قيمتها، لا يمكن أن يحصل إلّا بعد انتهاء المرحلتين الأوليين، وهما: 1- عملية الاستكشاف، أي حفر الآبار الأولية للتأكّد من وجود موارد نفطية وغازية فعلية، وهي مرحلة تراوح بين 3 و6 سنوات. 2- تقويم الحفر، في حال التأكّد من وجود موارد فعلية، وهي مرحلة تمتدّ لنحو سنتين، وخلالها تُحلَّل البيانات المستخرجة في مرحلة الاستكشاف، ليُعرَف ما إذا كان حجم الموارد الموجودة مربحاً تجارياً، تمهيداً لبدء عملية تطوير الحقل، أي وضع البنية التحتية ومن ثمّ إطلاق عملية الاستخراج والإنتاج».
من هنا، يمكن الاستنتاج أن مستقبل الثروة الغازية اللبنانية أمر غير مُحدّد راهناً، نظراً لأن عمليات الاستكشاف لم تنطلق بعد، على الرغم من مرور سنتين على تلزيم البلوكين 4 و9. وبالتالي لا يمكن وضع أي تقديرات، ولو أولية، لحجم هذه الموارد والقيمة التي قد تنتج منها، أو تعليق آمال كبيرة عليها. إلّا أن الأكيد، أن هناك محاولات واضحة لإخفاء السياسات والاستراتيجيات التي ترسم لهذا القطاع، وجعلها محصورة بالشركات والإدارات المعنية والمستثمرين في القطاع.