وضعت وكالة «موديز» تصنيف لبنان الائتماني قيد المراقبة لمدّة ثلاثة أشهر، قبل اللجوء إلى تخفيض محتمل على خلفية تراجع التمويل الخارجي للبلاد، أي التحويلات الأجنبية الواردة بالعملة الصعبة، وهو ما يؤثّر على قدرة لبنان على تأمين حاجاته التمويلية. وفي هذا السياق، عرضت الوكالة مجموعة من المؤشّرات التي تتعلّق بحجم هذه الحاجات التمويلية، مثل عجز الحساب الجاري وفوائد الدَّيْن العام، إضافة إلى الديون الخارجية على القطاعين العام والخاص، والتي ستستحقّ لاحقاً بالعملات الأجنبية. وقد اعتمد تقرير الوكالة على هذه الأرقام لإظهار مدى ضخامة الحاجات التمويلية للاقتصاد اللبناني في مقابل تراجع التمويل الخارجي.ومن بين هذه المؤشّرات، تمّ الاعتماد على مؤشّر الضعف الخارجي، والذي تعتمده الوكالة في معظم تقاريرها لقياس درجة انكشاف الاقتصاد المحلّي على هذا النوع من المخاطر، وتحديداً من ناحية حجم الديون الخارجية. فوفق الوكالة، يتمّ قياس هذا المؤشّر عبر احتساب الديون الخارجية وودائع غير المقيمين المجمّدة لفترات تتجاوز السنة، كنسبة من الاحتياطي الموجود بالعملات الصعبة. وبهذا المعنى، يمكن تصوّر حجم المخاطر المتعلّقة بالقدرة على سداد أو إعادة تمويل هذه الالتزامات بالعملات الأجنبية، من خلال مقارنة حجم هذه الالتزامات بحجم احتياطي العملات الصعبة المتوفّر. وكلّما ارتفع مستوى هذا المؤشّر، عنى ذلك ارتفاع حجم الديون الخارجية مقابل الاحتياطات المتوفّرة بالعملات الأجنبية.


تبيّن أرقام الوكالة أن هذا المؤشّر تحديداً استقر على مستويات تراوحت بين 98.4 و99.9 خلال سنتي 2017 و2018 على التوالي، لكن تتوقّع الوكالة أن يرتفع مستوى المؤشّرات إلى حدود قياسية تبلغ 130.3 نقطة خلال السنة الجارية، وإلى 145.8 نقطة خلال سنة 2020، وهو مستوى قياسي بكل المقاييس. وبذلك، تكون الوكالة قد توقّعت ارتفاعاً كبيراً من ناحية التحدّيات المتعلّقة بتأمين التمويل الخارجي لسداد الالتزامات الخارجية القائمة بالعملات الأجنبية على القطاعين العام والخاص في المستقبل.
في الواقع، تنطلق هذه التوقّعات أوّلاً من ناحية افتراض الاستمرار في ارتفاع الديون الخارجية. فبينما يتحدّث التقرير عن ارتفاع نسبة هذه الديون القائمة من تحويلات الحساب الجاري الواردة من 192% سنة 2017 إلى 257.1% سنة 2018، يتوقّع التقرير ارتفاع هذه النسبة إلى 274.3% سنة 2019 و292.2% سنة 2020. مع العلم أن هذه الديون ارتفعت من ناحية الحجم بنحو 7.23% خلال العام الماضي، لتبلغ نحو 79.34 مليار دولار، وذلك وفق إحصاءات الديون العالمية التي ينشرها البنك الدولي.
ومن ناحية أخرى، تنطلق توقّعات التقرير بخصوص مؤشّر الضعف الخارجي لهذه السنة والسنة المقبلة من المسار الانحداري لمستوى الاحتياطي المتوفّر من العملات الأجنبيّة. فاحتياطي مصرف لبنان من هذه العملات يشهد منذ شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2017 سلسلة من الانخفاضات أدّت إلى هبوط هذا الاحتياطي من 36.77 مليار دولار إلى 31.06 مليار دولار في شهر تموز/ يوليو الماضي. وبما أن مؤشّر الضعف الخارجي ينطلق من احتساب الديون الخارجية كنسبة من احتياطي العملات الأجنبية، من الطبيعي أن ينعكس انخفاض هذا الاحتياطي على شكل ارتفاع في مستوى المؤشّر.
في المحصّلة، يعطينا هذا المؤشّر فكرة عن حجم الضغوط المتصاعدة التي سيتعرّض لها الاقتصاد المحلّي في الفترة المقبلة، من ناحية ارتفاع حجم التمويل الخارجي المطلوب لسداد الالتزامات للخارج بالعملات الأجنبية، وذلك بفضل الارتفاع في حجم هذه الالتزامات نفسها، في مقابل الهبوط المستمر في حجم احتياطي العملات الأجنبية. لكن هذه المسألة لن تشكّل المصدر الوحيد للحاجات التمويلية، فلبنان سيكون بحاجة أيضاً إلى قدر متزايد من التمويل الخارجي لتمويل العجز في الحساب الجاري، وفوائد الدَّيْن العام بالعملة الأجنبية، إضافة إلى حاجة الدولة نفسها إلى الاستدانة. وبذلك، ستظل مشكلة السيولة بالعملات الأجنبية الناتجة عن تراجع التحويلات الخارجية أحد أبرز عناوين الأزمة الحالية، طالما أن ميزان المدفوعات لا يزال يسجّل عجوزاته القياسية.