أي وديعة في المصارف مضمونة بقيمة 5 ملايين ليرة، مهما كانت قيمتها ونوع العملة المودعة فيها. هذا وحده كافٍ لإشاعة القلق بين المودعين. وهناك قلق موازٍ مصدره استحقاقات الودائع المجمّدة التي تشير إلى أن أكثر من 92.8 مليار دولار مجمّدة لشهر واحد، و27.5 مليار دولار خلال ثلاثة أشهر، أي أن 120.3 مليار دولار تستحق خلال ثلاثة أشهر. هذه إشارات كافية للدلالة على انعدام الثقة بالمصارف. وهذه الأخيرة مرعوبة من مواصلة الزبائن سحب مدّخراتهم ولو بالتقسيط.
أنقر على الرسم البياني لتكبيره

في الواقع، تشير الإحصاءات المصرفية التي نُشرت في العدد الأول من "رأس المال" في آذار 2018، إلى أن 60.5% من أصحاب الحسابات (1749104 حسابات) تقلّ ودائعهم عن 3333 دولاراً، وأن أكثر من 92% من الحسابات (911482 حساباً) فيها أقل من 100 ألف دولار.
هذه الفئات هي التي أشار إليها الأمين العام لجمعية المصارف مكرم صادر أمام لجنة المال والموازنة مشيراً إلى أن نسبتها 88% من المودعين بعد التغيّرات التي طرأت على توزّع الودائع خلال الأشهر الماضية. والهلع الذي أصاب هؤلاء المودعين تحفّز بفعل إغلاق المصارف لأكثر من 12 يوماً متتالية من دون أي مبرّر واضح تلاه لجوء المصارف إلى فرض قيود على الحسابات المصرفية تشمل عمليات القطع والسحب والتحويل بشكل مخالف للدستور والقانون واستنسابي.
هذه الفئات خائفة من حصول إفلاسات في القطاع المصرفي، ومن انخفاض قيمة الليرة مقابل الدولار. فالضمانات المنصوص في المادة 14 من القانون 28/67 الذي نص على إنشاء مؤسسة ضمان الودائع والمعدّلة بالقانون 110/91 محدّدة بقيمة 5 ملايين ليرة وبالعملة اللبنانية، مهما كان نوعها أو أجلها رأسمالاً وفائدة. ومنذ تلك السنة، استقرّت قيمة الضمانة على هذا المبلغ ولم تنجح محاولات زيادتها. ففي عام 2005 كان هناك مشروع لزيادتها جرى تأجيله، ثم طُرح الأمر مجدداً في عام 2008 لزيادتها وفشل أيضاً.
وفي لجنة المال والموازنة التي عُقدت أخيراً، اقترح رئيس اللجنة إبراهيم كنعان زيادة ضمانة الوديعة من 5 ملايين ليرة إلى 75 مليوناً ما يوسّع هامش المضمونين، وقد أُدرج هذا الاقتراح في مشروع موازنة 2020 بهدف استعادة بعض من الثقة المفقودة بالقطاع.
في السابق، المصارف عرقلت زيادة ضمانة الوديعة لأنها ترتب عليها أكلافاً إضافية. فبحسب القانون، أُنشئت هذه المؤسسة بملكية مختلطة: 50% للمصارف، و50% للدولة. ويتوجب على المصارف أن تدفع سنوياً 1.5 بالألف عن كل وديعة، على أن تدفع الدولة حصّة مماثلة. وضمان الوديعة هو بالليرة اللبنانية مهما كانت عملة الإيداع بحسب سعر صرف العملة الأجنبية بتاريخ إعلان توقف المصرف عن الدفع أو قرار وضع اليد عليه، وبحدّ أقصى 75 مليون ليرة مهما كانت قيمتها. لذا فإن رفع مبلغ التأمين من 5 ملايين إلى 75 مليون ليرة، يلزم المصارف برفع مساهمتها إلى 7.5 بالألف عن كل وديعة. يقدّر أنه يترتب على هذه الزيادة أن تدفع المصارف نحو مليار دولار إضافية قياساً على حجم الودائع الحالي.
أما بالنسبة إلى أصول المؤسسة الحالية، فهي تملك موجودات ومساهمات بقيمة 4500 مليار ليرة (3 مليارات دولار)، ولم يتضح ما هي قيمة العقارات بين هذه الأصول، وما هي المبالغ المتوافرة، ولم يُعرف أيضاً أين توظّف هذه الأموال؟ لكن الأكيد بحسب مصادر مطلعة، أن القسم الأكبر من المبالغ موظّف في سندات الخزينة بالليرة اللبنانية، وفي حسابات لدى مصرف لبنان، أي أن مخاطر هذه التوظيفات مرتفعة جداً وهذه الموجودات مقلقة أكثر من كونها ضمانة.
على أيّ حال، تجب الإشارة إلى أن قيمة الضمانة كانت تساوي 3316 دولاراً وفق سعر الصرف المحدّد من مصرف لبنان، لكنها اليوم باتت تساوي 2083 دولاراً بحسب سعر الصرف في السوق الموازية.