هناك طريقتان لاحتساب تضخّم الأسعار وانعكاسها على الأجور. الطريقة الأولى تكمن في احتساب ارتفاع مؤشّر غلاء المعيشة وإسقاط نتائجه على القيمة الاسمية للأجر الشهري، فتظهر الخسارة المتراكمة في الأجر والمبلغ المطلوب تعويضه ليصبح تطوّر الأجر متناسباً مع تضخم الأسعار وغلاء المعيشة. وهناك طريقة ثانية تتبعها الدول التي تعتمد في استهلاكها على استيراد السلع، فيتم استخراج نسبة السلع المستوردة من سلّة استهلاك الأسر واحتساب تضخّم الأسعار الناتج من تقلبات أسعار صرف الدولار.بحسب الطريقة الأولى التي احتسبها الخبير المالي حسن دياب، استناداً إلى قاعدة بيانات إدارة الإحصاء المركزي ومراسيم زيادة الحدّ الأدنى للأجور لغاية آخرها في عام 2012، تبيّن أنه بين عام 2008 وعام 2012، كان معدل التضخّم 18%، ولم يتم زيادة الحدّ الأدنى للأجور سوى بنسبة 12%. وبين عام 2012 و2019، بلغت نسبة التضخّم التراكمية 16% وخسرت الأجور 12% من قوّتها الشرائية. وإذا أخذنا في الاعتبار الحسابات التي صممها المستشار المالي للحكومة «لازار» للسنوات بين 2020 و2024، فإن تضخّم الأسعار سيبدأ بنحو 53% في 2020 ويصبح 23٫3% في السنة التي تلي، ثم 6٫6% بعدها و6٫4%، وصولاً إلى 6٫2% في 2024.

أنقر على الرسم البياني لتكبيره

الخسارة التراكمية للحدّ الأدنى للأجور تصبح على النحو الآتي:
ــــ بين 2008 و2012 خسرت الأجور 2٫28 مليون ليرة من قوّتها الشرائية، رغم حصول تصحيحين للأجور ارتفع بموجبه الحدّ الأدنى للأجور من 300 ألف إلى 500 ألف في 2008 ومن 500 ألف إلى 675 ألفاً في 2012. كان يفترض أن تزداد الأجور بمبلغ إضافي يقدّر بنحو 47 ليرة شهرياً لتعوّض تضخّم الأسعار الحاصل في السنوات الخمس الماضية. أما الخسارة التراكمية للحدّ الأدنى للأجور في الفترة المذكورة (خمس سنوات) فقد بلغت 2٫28 مليون ليرة.
ــــ بين 2012 و2019 لم يشهد الحدّ الأدنى للأجور أي تعديلات، إنما كان التضخّم يتراكم ليبلغ 16%، وهو ما أدّى إلى خسارة إضافية في قيمة الأجر مقارنة مع غلاء المعيشة بمعل 12%. لذا، كان يفترض أن تزداد الأجور بقيمة 97 ألف ليرة شهرياً لتعوّض كلفة ضعف القدرة الشرائية. الخسائر التراكمية للحدّ الأدنى للأجور في الفترة المذكورة (لمدة سبع سنوات) بلغت 8٫19 ملايين ليرة سنوياً.
ــــ بين 2020 و2024، وبحسب تقديرات المستشار المالي للحكومة «لازار» المستندة إلى معدلات تضخّم افتراضية بمعدل 127% سيخسر الحدّ الأدنى للأجور 56% من قيمته على افتراض أنه بقي عند المستوى نفسه أي 675 ألف ليرة. يفترض أن يتم تعويض هذه الخسارة عبر زيادة الحدّ الأدنى بقيمة مليون ليرة شهرياً. أما الخسارة التراكمية في الأجر فهي تبلغ 65٫5 مليون ليرة محتسبة عن خمس سنوات.
الطريقة الثانية لاحتساب الخسائر في الأجر تشير إلى أن حصّة السلع المستوردة من سلّة الاستهلاك تبلغ 85%، وبعد استثناء السلع التي يدعم مصرف لبنان أسعار استيرادها على أساس سعر صرف 1507٫5 ليرات وسطياً، وبعد احتساب سعر صرف وسطي معتمد في السوق الموازية بقيمة 3800 ليرة مقابل الدولار الواحد (هذه الدولارات تستخدم لتمويل السلع المستوردة)، أي ما يوازي تضخماً في سعر الدولار بنسبة 152%، فإن التضخم في أسعار الاستهلاك سيبلغ 94%، ما يعني أن القوة الشرائية للأجور في عام 2020 هي 6% فقط من القوّة الشرائية للأجور في عام 2012، مع اختلاف نسبي في شرائح الأجور تبعاً لقدرة كلّ منها على التكيّف مع سعر الصرف الجديد.
طبعاً، الفرق كبير بين الاثنين، فيما تضخّم الأسعار في السنة الماضية والسنة الجارية وما سيليها، مصدره الأساسي سعر الصرف وضعف القدرة على الاستيراد. لكن في الجانب الآخر، يعبّر مؤشّر أسعار الاستهلاك عن السعر الحقيقي للسلع والخدمات في السوق. الفرق بين الاثنين هو في نسبة التضخّم التي تحتّم تعديل الأجر. أما أصل تعديل الأجر فمسألة محتومة. الأجور تذوب، وغالبية الأجراء هم من فئات الأجر الدنيا. الأجر الوسطي كما هو مصرّح عنه للضمان الاجتماعي يبلغ 1٫75 مليون ليرة، فيما هناك 67٫4% من الأجراء المصرّح عنهم يتقاضون أقلّ من هذا الأجر، أي طار من أجورهم الشهرية بحسب مؤشّر أسعار الاستهلاك 34%، فيما طار منها 94% بحسب تضخّم أسعار الصرف. في كلتا الحالتين، يفترض بهذا التطوّر السلبي على أجور العمال التي خسرت الكثير في السنوات الماضية، أن يدفع نحو تعديل الأجور لتعويض التدهور في القدرة الشرائية الذي دفع أكثر من 50% من الأسر نحو خطوط الفقر.