من وحي النقاش الدائر في البلد بعنوان: «الحفاظ على الاحتياطات بالعملات الأجنبية من الاستنزاف اللاحق بها بسبب استمرار دعم استيراد المواد الأساسية، لأن هذه الاحتياطات هي ما تبقّى من أموال الودائع» قد يكون مفيداً إجراء احتساب نظري للقيمة الصافية للودائع انطلاقاً من كمية الاحتياطات المتوافرة لدى مصرف لبنان، أو ما يُسمّى نسبة تغطية الودائع باحتياطات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية. في نهاية شباط 2021 بلغت قيمة الاحتياطات بالعملات الأجنبية المتوافرة لدى مصرف لبنان، بحسب ما ينشره المصرف على موقعه الإلكتروني، نحو 17.49 مليار دولار. وفي المقابل بلغت قيمة الودائع بالدولار ما يساوي 166172 مليار ليرة، أي بحسب سعر الصرف المحدّد من قبل مصرف لبنان للودائع بقيمة 1507.5 ليرات، وسطياً، فإنها تبلغ 110.2 مليارات دولار. وإذا تماشينا مع ما يشاع حول نظرية الاحتياطات بالدولار باعتبارها من أموال المودعين التي يجب الحفاظ عليها، وبالتالي لجأنا، نظرياً، إلى توزيع هذه الأموال على المودعين بوصفها آخر ما تبقّى لهم من ودائعهم المُنقدة بالدولار الحقيقي، أو ما يمكن تسميته القيمة الصافية الفعلية للودائع بالدولار، فإن كل دولار مصرفي بات يساوي اليوم نحو 15.8 سنتاً.
أنقر على الرسم البياني لتكبيره

في السنوات الماضية كانت نسبة تغطية الاحتياطات للودائع مرتفعة نسبياً. في مطلع عام 2000، أي في الفترة التي بدأت ملامح الانهيار تظهر، وقبل انعقاد مؤتمر «باريس 1»، كانت نسبة التغطية تبلغ 34% ثم تراجعت خلال 12 شهراً إلى 14%، ثم بلغت 10.6% في حزيران 2001. بهذا المعنى، كانت قيمة كل دولار مصرفي تساوي 10.6 سنتات، أي «هيركات» بنسبة 89.4%. لاحقاً، استعاد النموذج القدرة على تغطية الودائع بالدولار بفعل المؤتمرات الدولية المتتالية، ثم الطفرة النفطية، وهروب الأموال من الأزمة العالمية نحو لبنان الذي كان يدفع معدلات فائدة باهظة قياساً بالخارج. هكذا عادت نسبة التغطية بالاحتياطات إلى 42% في أواخر 2010. عملياً، كان هذا الأمر يعني أن نسبة كبيرة من الخسائر السابقة اللاحقة بكل دولار مصرفي، تمّت تغطيتها بدولارات جديدة استقطبها النظام من الخارج. لكنّ النظام عاد إلى نمطه السابق ابتداءً من عام 2011 واستمرّ التدهور في قيمة الدولار المصرفي أو في نسبة تغطيته من الاحتياطات بالعملات الأجنبية، ليبلغ 17.7% في أواخر 2020 وتدهور إلى مستوى 15.8% في نهاية شباط 2021.
من الأكيد أن حساب كهذا يصبح أكثر من مجرّد مؤشّر إذا أضيفت إليه قيمة صافي السيولة الخارجية للمصارف، لكنّ هذه الإحصاءات غير متوافرة لدى مصرف لبنان عن السنوات الماضية، إنما ما بات معروفاً اليوم هو أن هذه السيولة الخارجية بالعملات الأجنبية للمصارف هي سلبية بقيمة تفوق 1.7 مليار دولار، أي أن التزاماتها تجاه الخارج أكبر مما تملكه في الخارج بقيمة 1.7 مليار دولار. وهذا يعني أن الخسائر اللاحقة بالودائع أكبر بكثير.
أياً يكن الحال، إن هذه النتيجة للقيمة الصافية للدولار، أو لنسبة تغطية الودائع باحتياطات مصرف لبنان، متأتية من حساب نظري قائم على أنه سيتم توزيع كل الاحتياطات بالدولار على المودعين، وهو أمر لن يحصل لا في المستقبل القريب أو البعيد لأسباب مختلفة من أبرزها أن وظيفة هذا الاحتياط مختلفة تماماً عن آليات حماية الودائع، بل في الواقع إن هذه الودائع تخضع اليوم لواحدة من أكبر عمليات الاقتطاع السوقية التي تتم بأكثر من طريقة:
- الطريقة الأولى: سحب هذه الودائع من المصارف بسعر المنصّة المحدّد من قبل مصرف لبنان بنحو 3900 ليرة مقابل الدولار المصرفي، وبالتالي فإن نسبة الاقتطاع أو الهيركات التي تخضع لها الودائع المسحوبة بهذا السعر تساوي الفرق بين قيمة الدولار في السوق الحرّة والذي بلغ مساء الأحد (للمفارقة هذه السوق تعمل مساء الأحد) نحو 13000 ليرة، وبين سعر المنصّة. هذا يعني أن قيمة الوديعة تقلّصت بنحو 9100 ليرة، أو ما يساوي 70%. قد تكون هذه الطريقة الأقل خسارة، لكن مشكلتها أنها محكومة بسقف للسحب يبلغ 5000 دولار مصرفي شهرياً وغالبية المصارف لا تتقيّد به.
- الطريقة الثانية: سحب الودائع بالدولار بواسطة شيك مصرفي وبيعه في السوق بقيمة تساوي 3000 ليرة لكل دولار مصرفي. ما يعني أن الخسارة في قيمة كل دولار تبلغ 10 آلاف ليرة، أو ما يساوي خسارة بنسبة 76.9%. هذه الطريقة تتيح سحب الدولارات بشكل كامل لكنها تفرض خسارة كبرى.
- الطريقة الثالثة: يمكن سحب الدولارات المصرفية بالليرة اللبنانية على سعر 1507.5 ليرات، وسطياً، ما يعني أن الخسارة في قيمة كل دولار تبلغ 11492 ليرة، أو خسارة بنسبة 88.4%. ورغم أن هذه الطريقة تكبّد المودع الخسارة الكبرى إلا أنه لا يمكنه سحب مبالغ كبيرة. بعض المصارف تمنح المودع إمكانية سحب 20 مليون ليرة شهرياً، وبعضها أكثر من ذلك بقليل.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا

تابع «رأس المال» على إنستاغرام