يعد التعميم الرقم 158 بالتسديد التدريجي للودائع على أساس 400 دولار نقداً أو «فريش»، و400 دولار تُدفع بالليرة على سعر المنصّة الإلكترونية ( 12,000 ليرة حالياً) على أن يكون نصفها نقداً ونصفها بالبطاقة المصرفية. ويحدّد حدّاً أقصى للحسابات التي ستُعامل على هذا الأساس، بنحو 50 ألف دولار. صحيح أن مهلة التعميم حُدّدت بسنة واحدة قابلة للتجديد، إلا أن تذويب 50 ألف دولار ضمن هذه المعادلة يحتاج إلى خمس سنوات وشهرين. وإلى جانب هذا الأمر، سيكون على مصرف لبنان أن يضخّ ليرات إضافية في السوق ناتجة عن تسديد الودائع على سعر 3900 ليرة لكل دولار تطبيقاً للتعميم 151. المفاضلة بين الخيارين ستكون متوافرة لأولئك الذين لن يستفيدوا من تسديد الودائع بطريقة التعميم 158، أي هؤلاء الذين لن يكون بإمكانهم انتظار تسديد 50 ألف دولار من وديعتهم على مدى خمس سنوات بينما لديهم ودائع بقيمة أكبر ستتآكل قيمتها بشكل متسارع. الفرق بين التعميم 158 الذي يتيح سحب الدولارات نقداً وعلى سعر 12,000 ليرة، وبين التعميم 151 الذي يتيح سحب الدولار على سعر 3900، هو أن مصرف لبنان يتيح لكل صاحب حساب خيارات الهيركات المتاحة؛ هل تريد هيركات بنسبة 80%؟ أكثر أم أقلّ؟ هل تريد انتظار المزيد من المفاجآت؟


طبعاً سيكون هناك المزيد من المفاجآت. ففي أول شهر من السنة سيتم إقفال حسابات شريحة المودعين الأدنى، أو ما تبقّى منهم. هذه الشريحة فيها 611 ألف حساب، يملك أصحابها نحو 382 مليون دولار. لكن بعد مرور خمسة أشهر، ستقفل حسابات الشريحة الثانية التي يبلغ عددها 390 ألف حساب، يملك أصحابها نحو 158 مليون دولار. وخلال سنة وبضعة أسابيع سيتم إقفال حسابات الشريحة الثالثة البالغ عددها 195 ألف حساب، يملك أصحابها مليارَي دولار. خلال سنة واحدة سيتم إقفال 845 ألف حساب تمثّل نحو 73% من عدد الحسابات التي تستفيد من التعميم. لكن ما الذي سيحصل خلال هذه الفترة؟
في السنة الأولى سيضخّ مصرف لبنان نحو 27,000 مليار ليرة في السوق بمعدل 2,250 مليار ليرة شهرياً لتمويل السحوبات وفق التعميم 158. لكنه أيضاً سيواصل ضخّ الليرات بموجب التعميم 151 والتي تقدّر قيمتها بأكثر من 10,000 مليار ليرة بمعدل شهري يتجاوز 800 مليار ليرة. فوق ذلك، فإن مصرف لبنان سيموّل واردات لبنان من النفط العراقي الخام بتسديدها عبر الدولار المحلي الذي يتفق سوقياً على أنه يساوي 3900 ليرة لغاية الآن. يمكن أيضاً احتساب قيمة الأموال التي سيضخّها من أجل تمويل البطاقة التمويلية والكثير غيرها من الأموال التي يسعى سلامة لضخّها في السوق لأنه يعالج كل مشاكله وخسائره عبر طباعة النقود وضخّها في السوق.
هكذا، ستكون هذه السنة واحدة من أقسى السنوات التي يشهدها لبنان. صحيح أن البنك الدولي توقع تضخماً وسطياً في الأسعار بمعدل 100%، لكنه لم يكن يتوقع أن تعمل مطبعة سلامة بلا توقف طوال هذه الفترة. فما سيحصل بات واضحاً للعيان. طباعة النقود وضخّها في السوق، بمستويات أقلّ من مستويات ضخّ الدولار في السوق، سيكون لهما أثر واضح وهائل. سيتحفّز سعر الدولار مقابل تدنّي قيمة الليرة أكثر فأكثر. الطلب على الدولار قد بدأ يظهر أصلاً. فالمصارف لم تتوقف عن شراء الدولارات من السوق المحلية منذ مطلع السنة الجارية. يقال إن المصارف تسحب شهرياً نحو 70 مليون دولار، ومع بدء وقف الدعم قبل ثلاثة أسابيع، وخصوصاً وقف الدعم نهائياً عن سلّة السلع الغذائية، وعن السلع الزراعية والصناعية، فإن نحو 25 مليون دولار شهرياً من الطلب الإضافي على الدولار دخلت كعنصر أساسي محفّز لارتفاع سعر الدولار. أما إذا توقف تمويل استيراد المحروقات، وقسم من الدواء والمستلزمات الطبية، فإن الطلب على الدولار سيشهد قفزات كبيرة قد تتجاوز 300 مليون دولار شهرياً، وبالتالي سنشهد تسارعاً في تقلبات سعر الدولار قد تكون مفرطة للغاية.
إذاً، على جانبَي العرض والطلب سيكون الأمر محفّزاً بقرارات السلطة النقدية. هذا يعني أيضاً أن قدرة السوق على تغطية الطلب على الدولار ستتقلّص تدريجاً لتحفّز ارتفاع الأسعار رغم ضخّ الدولارات في حسابات المودعين. فمن الظاهر أن القسم الأكبر من المودعين بحسب التعميم 158 قد يحتفظون بهذه الدولارات تحسباً لارتفاع سعر الصرف، وخصوصاً أنهم سيحصلون على مبالغ نقدية بالليرة أيضاً.
ضخّ الليرات، إلى جانب تضخّم الأسعار الناتج من رفع الدعم جزئياً أو كلياً، هما خلطة للفقر والهجرة، يبدو مفعولها الظاهر لمدة سنة واحدة، إلا أن مصرف لبنان يعدنا بأنها متواصلة لمدة خمس سنوات إذا كان صادقاً في تسديد 50 ألف دولار لكل حساب مصرفي. هذا هو مسار توزيع الخسائر السائد لغاية اليوم. لا مسارات غيره في الأفق. هو مسار يعني أن سعر الدولار يخوض سباقاً مع تضخّم الأسعار.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا

تابع «رأس المال» على إنستاغرام