في فيلم «عشاء مع أندري» للمخرج الفرنسي لويس مال، يوافق والاس على تلبية دعوة صديقه أندريه للحضور إلى العشاء، بعد أن أُصيب للوهلة الأولى بترددٍ وخشيةٍ سببهما شائعات سبق وسمعها تمسّ صديقه. يختار الصديقان المقربان اللقاء ليلاً ومناقشة أحوال حاضرهما في مطعمٍ، سيكون، بدوره، الكادر الوحيد الذي ستجري في داخله أحداث الفيلم برمتها. على طاولة العشاء، ستبدأ الأحداث بالتدفق سريعاً.
(تصميم: فرانسوا الدويهي)

اللقطة جامدة تشَكل مشهدها من خلال تركيز الكاميرا على الوجهين فحسب. الحركة مقتصرة على تغيّر شكل الملامح حين يدافع «أندري» بحماسة عن مثاليته الحالمة، على شفاه «والاس» المسترسلة بالحديث عن «الرؤية الواقعية للعالم»، وعلى إشارات اليد التي تفضح أعصاب صاحبها المتورط في محادثة لا تنضب. اللقطة جامدة لا تتزحزح، ولكنها بجمودها، تؤهل الطريق أمام انسيابية الأحداث المندفعة، المنصبّة بقوّة، ذلك أن أحداث «العشاء مع أندري»، تجري في اللغة وعبرها؛ في البوح الحميم، والإفصاح المثير، والمناقشة الهادئة. يحطّ الليل، بكامل خفته، على طاولة الصديقين وعلى مناخهما كلّ على حدّة. ينحصر الليل داخل المطعم. كلما مر الوقت كلما أشرقت اللحظات وتكثّف حضور الصديقين. وكأن لا وجود للّيل في الخارج، كأن الليل شاء أن يكون راعي تلك اللغة: بكامل تخبّطها وتلعثمها وانسيابها.
مثلما التقى الصديقان على العشاء ليلاً لمناقشة أحوالهما والمجادلة حول الأدب والمسرح ومعنى الحلم ومعنى الحياة، نقوم في عددنا هذا، «محادثة حول الليل»، بمحادثةٍ حول الليل وعنه، بأسلوبٍ يتماهى مع اختلاف الصديقين: هناك من يرى الليل سخاماً، وهناك من يراه راعي الوجود وعلّته.