باريس| كان السويسري أوسكار فريسينجر نجم ندوة «لا لأسلمة أوروبا»، التي نظّمت في باريس قبل يومين، على اعتبار أنه وحزبه «الاتحاد الديموقراطي المسيحي» كانا وراء تنظيم الاستفتاء الشهير ضد بناء المآذن في سويسرا. وحظي فريسينجر باستقبال الأبطال في الندوة، حيث وقف الجمهور لتحيّته بتصفيق حاد وصياح تأييد.
بدا منذ بداية الندوة اتفاق المجتمعين على «خطر الإسلام». وشدّد زعيم «كتلة الهوية» فابريس روبير على أن هدف هذه الندوة هو «إظهار خطورة الإسلام على العلمانية وقيم الحضارة الأوروبية». وقال «إن المشكلة ليست في عدم وجود مساجد»، ما يضطر المصلين الى الصلاة في الشارع، بل إن كل ما في الأمر هو «وجود الكثير من المسلمين».
فريسينجر، الذي كان أيضاً وراء قانون «طرد الأجانب الجنوحيين» الذي عاد اليمين الأوروبي وتلقفه ليضعه على طاولة النقاش، انتقد تعدّد الثقافات في أوروبا، وقال «فقط أوروبا تعتقد بأنه يكفي أن تكون لطيفاً مع هذا العالم ليكون لطيفاً معك». وشدد على «تضارب الأهداف والاهتمامات» بين أوروبا البيضاء والعالم الإسلامي، وقال «نحن في أوروبا نهتم بمسائل التقاعد والضمان الاجتماعي والعطل وأيام الرفاهة، بينما في العالم الإسلامي هناك جيوش من المقاتلين من الرجال والنساء المستعدين للتضحية بحياتهم بشكل قنابل بشرية».
الندوة لم تكن أوروبية فحسب، بل ضمت الناشط الأميركي، توم ترينتو، الذي وقف على المنصة ليخطب باللغة الإنكليزية مع ترجمة فورية على الشاشات، واصفاً خطر الإسلام بأنه «يفوق خطر هتلر». وأعقبه الإنكليزي تومي روبنسون، الناطق الرسمي لـ«الرابطة الإنكليزية للدفاع»، متحدّثاً عن خطر الإسلام على أوروبا عموماً وضرورة «الدفاع عن العلمانية»، رغم أن العديد من المشاركين شددوا على «المسيحية كلبنة للحضارة الأوروبية وقيمها».
وبالطبع، كان انعقاد الندوة مكسباً معنوياً للمنظمين، أي «كتلة الهوية» وعدد من المنظمات مثل «المقاومة الجمهورية» و«الرد العلماني»، إذ إنها المرة الأولى التي تخرج فيها هذه التنظيمات من إطار «ردود الفعل الشعبوية» والتحديات في الشارع أو التظاهرات الفولكلورية، لتقيم «لقاء شبه سياسي» يشمل تنظيمات يمينية أوروبية معترفاً بها.
ويرى بعض المراقبين أن هذه التيارات الأوروبية يمينية رغم التناقضات الوطنية التي تفرق بينها، إذ إن معظمها يدور في فلك «معاداة الاتحاد الأوروبي» ودعوة شعوبها الى المطالبة بالخروج مما يطلق عليه في خطابهم «الفيدرالية البيروقراطية الأوروبية»، إلا أن خط معاداة الإسلام على الأرض الأوروبية بات يجمعها ويمثّل لبنة بناء صرح معاد للمهاجرين المسلمين. ورغم أن عدداً من هذه الجمعيات لا تزال تحمل طروحات «لا سامية بارزة» ولا تخفي معاداتها لليهود عموماً ولليهود الأوروبيين خصوصاً، إلا أن رغبتها بالخروج من زاوية «الحركات الهامشية المتطرفة» والخوض في «الجدل السياسي»، الذي بات يرافق الحديث عن الهوية والمهاجرين في مختلف الدول الأوروبية والربط مع الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها طبقات أوروبية عديدة، دفعها «لكي تضع جانباً الشعارات اللا سامية» والتفرّغ لـ«الخطر الإسلامي».
ولكن هذا لم يمنع معارضة قوية لهذه الندوة، كان في مقدمها رئيس بلدية باريس الاشتراكي برنار دولانوييه، الذي طالب قبل أيام «بمنع هذه الندوة» لأنها لا تسعى إلا إلى «تأجيج الكراهية والكزينوفوبيا»، أي كره الأجانب، وأنها تهدد الأمن. موقف دفع رئيس الشرطة الفرنسية إلى توجيه «تحذير رسمي» إلى المنظمين من مغبة القيام بأي تجاوزات، إلا أنه أكد أنه «لا يستطيع منع تجمع» وأنه في حال «خروج تصريحات خطباء عن القانون يجب بحث الأمر أمام المحاكم». ووجه إنذاراً مماثلاً للمعترضين من أن الشرطة ستكون حازمة لكل إخلال بالأمن حول مكان انعقاد الندوة، ولا سيما أن نحو مئتي متظاهر لبوا نداء أحزاب يسارية، وفي مقدمها «الحزب الجديد المعادي للرأسمالية» و«حزب اليسار» وجمعية حقوق الإنسان الفرنسية و«النجدة ضد العنصرية» (SOS Racisme)، وتجمعوا وراء حواجز الشرطة خلف لافتة حمراء كُتب عليها «لا نريد فاشيين في أحيائنا». وقد تحدثت النائبة اليسارية ساندرين مازوتيه وخطبت بالحشود، قائلة إن «العلمانية لا تعني الكراهية ولا تعني اضطهاد الأقليات»، بينما كان البعض يصرخ «هناك كثير من لوبن والفاشيين، لا كثير من
المسلمين».
في المقابل، كان هناك نحو ألف مشارك في الندوة، رغم الأجواء العاصفة والثلوج التي غطت باريس، حتى إن بعض المشاركين استخدموا هذه الأجواء للمقارنة بين المسلمين والأوروبيين. وذكرت إحدى المشاركات أن «الإسلام هو دين الصحراء والحَرّّ، وأوروبا هي بلاد الثلوج والبرد». وابتسمت قبل أن تتابع «فليبق كل في منطقته».
ويمكن تشبيه التجمع الذي شهدته الندوة باحتفال عيد، إذ إنه شمل إلى جانب حليقي الرؤوس ومؤيدي فريق سان جرمان الرياضي المشهورين بضم عدد كبير من «الهوليغان»، عدداً من العائلات المتواضعة التي جاءت برفقة أطفال، وبعض الأحيان أمهات اللواتي حملن أطفالهن الرضّع.
وذكّرت صورة الحضور والمشاركين كثيراً بـ«التجمعات الشعبية العنصرية في أميركا البيضاء»، كما وصفها أحد المتظاهرين ضد الندوة الواقفين على بعد متر وراء حاجز الشرطة.
الفريقان اللذان اجتمعا على بعد أمتار يعدّان لمعركة مقبلة قد تكون العلمانية ضحيتها، إذ إن الجميع يدّعي الدفاع عنها، بينما في الواقع الجميع يستعملها لأهداف سياسية خاصة به قد يدفع ثمنها المجتمع الأوروبي ككل.
ويرى الكثيرون أن هذه المناورات بين اليمين واليمين المتطرف واليسار هي «تهيئة للانتخابات الرئاسية المقبلة»، إذ إن اليمين المتطرف قد قرر استعمال ما أسست له سياسة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لفرض طروحاته المتطرفة التي قد تقود إلى خسارة ساركوزي واليمين
المعتدل.