كانت الانتخابات النصفيّة، التي جرت يوم أول من أمس، في أميركا، أكثر عملية اقتراع تغييراً منذ عقود، إذ قلبت الموازين لمصلحة الجمهوريين الذين أصبحوا يسيطرون على مجلس النواب، فيما بقي مجلس الشيوخ تحت سيطرة الديموقراطيين، لكن بغالبية صوت واحد فقط. هكذا يتهيّأ الأميركيون لسنتين من المشاحنات المتوقعة بين الرئيس ومجلس النواب
ديما شريف
لم يكن حتى أكثر الجمهوريين تفاؤلاً يحلم بالنتيجة التي استفاق عليها «الحزب العظيم» صباح أمس. إذ تخطى الحزب الجمهوري كلّ التوقعات واستطاع الفوز بـ61 مقعداً إضافياً في مجلس النواب، سلبها من تحت أنف الحزب الديموقراطي الذي تراجع عدد ممثليه إلى 184 في مقابل 240 لمنافسه. ومع بقاء بضعة مقاعد لم تحسم نتيجتها بعد، بانتظار وصول الأصوات من خارج البلاد (11 مع تقدم جمهوري في أربعة منها)، يجد الجمهوريون أنفسهم وقد استعادوا سيطرة مريحة جداً على نصف الجهاز التشريعي، مع بقاء تقدم الديموقراطيين في مجلس الشيوخ، بفارق صوت واحد فقط. ويبقى في مجلس الشيوخ 3 مقاعد ستحسم نتيجتها في الأيام المقبلة أيضاً. كما استطاع الجمهوريون ربح أكبر عدد من حكام الولايات ليصبح لديهم سيطرة على 27 من أصل خمسين، في مقابل 15 للديموقراطيين، واحد مستقل، وبقاء سبعة مقاعد لم تحسم بعد.
إلى جانب ذلك، استطاع الجمهوريون سلب الديموقراطيين الأغلبية في 17 مجلساً تشريعياً محلياً في الولايات. وربح هؤلاء 18 من أصل 28 مجلساً في الولايات الجنوبية. وحققوا مكاسب بلغت 500 مقعد على الأقل ليسيطروا بذلك على المجالس التشريعية في ولايات ألاباما وإنديانا وأيوا وماين ومينيسوتا وميتشيغان ونيوهامبشير ونورث كارولاينا وأوهايو وبنسلفانيا وويسكونسن.
هكذا تحوّلت الخريطة السياسية الأميركية إلى اللون الأحمر (لون الجمهوريين) ممهدة لسنتين من المشاركة الجمهورية في اتخاذ القرارات الهامة، ومعرقلة جهود الرئيس الأميركي باراك أوباما في تنفيذ أجندته الخاصة.
أكبر خسارة معنويّة للديموقراطيين كانت فقدانهم مقعد أوباما
وفي الوقت الذي سيستغل فيه الديموقراطيون الفرصة لإلقاء اللوم على الجمهوريين في الفترة الباقية من ولاية أوباما في حال فشل مشاريعهم، سيحاول المحافظون إيجاد تسوية ما لتمرير قوانينهم الخاصة، التي يعارضها الحزب الحاكم.
وسيضطر الحزبان فعلياً إلى إيجاد صيغة ما للتعايش. فعلى خلاف فرنسا، التي يصبح رئيس الوزراء فيها صاحب قرار أكبر من رئيس الجمهورية في حال حصول مساكنة، فإنّ الرئيس الأميركي يملك سلطات كبيرة تمنحه حق نقض المشاريع التي لا يوافق عليها ورفضها. وهذا ينذر بفترة مقبلة من التوتر بين الطرفين يتخللها صراع على المشاريع الكبرى في البلاد، في محاولة منهما لكسب أكبر قدر ممكن من التأييد الشعبي عبر المشاريع قبل حلول موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2012، ومعها الانتخابات النصفية أيضاً.
ولم ينتظر الجمهوريّون طلوع النهار لتبدأ «مشاكستهم» لأوباما، إذ قال منافسه في الانتخابات الرئاسية في 2008 السيناتور جون ماكاين، الذي خاض معركة سهلة لإعادة انتخابه في أريزونا، إنّه يأمل أن يلقي الرئيس نظرة جديدة على سياسة الحرب في أفغانستان، ويغيّر رأيه في ما يتعلق بقراره البدء في سحب بعض القوات الأميركية من البلاد في تموز 2011.
وكانت أكبر خسارة معنوية للديموقراطيين فقدانهم مقعد أوباما في مجلس الشيوخ عن ولاية إلينوي، الذي بقي في عهدتهم منذ أربعين عاماً، وكان من المفترض أن يكون الاحتفاظ به مهمة سهلة. لكنّ حظوظ المرشح الديموقراطي أليكسي جيانولاس تأثرت بكون عائلته تملك مصرفاً أفلس في أزمة الرهونات العقارية الأخيرة. كما تلقى أوباما ضربة شخصية أخرى بخسارة المرشح إلى منصب حاكم ولاية أوهايو (ولاية متأرجحة) تيد ستريكلاند، الذي كرس الكثير من وقته لمساندته. واستطاع الديموقراطيون الحفاظ على مقعدين رمزيين آخرين: مقعد نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن في ولاية ديلاوير، إلى جانب احتفاظ زعيم الغالبية في مجلس الشيوخ هاري ريد بمقعده عن ولاية نيفادا، متفوقاً على المرشحة المدعومة من «حزب الشاي» شارون آنغل.
ورغم خسارة آنغل وكريستين أودونيل، أبرز مرشحتين لهذا الحزب المتطرف، إلا أنّ «شاربي الشاي» دخلوا بقوة في بعض الولايات إلى مجلسي الشيوخ والنواب. واستطاع مرشحوهم في كنتاكي (راند بول) وفلوريدا (ماركو روبيو) وبنسيلفانيا (بات تومي) أن يفوزوا بسهولة على منافسيهم. وقررت بعض تجمعات هذا الحزب عقد اجتماعات في الأسبوعين المقبلين لتحديد مشاريعها في السنتين المقبلتين في المجلسين.
يمكن اعتبار «وول ستريت» الرابح الأكبر، إذ نجح كلّ من دعمته الشركات والمصارف
وكان اللافت في الأرقام التي توافرت أمس أنّ كلّ النواب السابقين الذين خسروا كانوا ديموقراطيين، ما عدا جمهورياً واحداً، ما يؤكد النقمة الشعبية على الحزب الحاكم عبر محاولة إطاحة كل من صوّت على المشاريع التي كانت موقع خلاف بين الناخبين. كما يمكن اعتبار أنّ الرابح الأكبر هو «وول ستريت»، إذ إنّ كلّ من تلقى دعماً مباشراً من الشركات والمصارف نجح، وأكثرهم من الجمهوريين. كما خسر 10 من أبرز 12 مرشحاً ممن موّلوا أنفسهم، وأبرزهم المرشحة لمنصب حاكم كاليفورنيا ميغ ويتمان، المدعومة من حزب الشاي، التي صرفت حتى انتهاء الانتخابات 170 مليون دولار من مالها الخاص.
وانهزم بعض أبرز التقدميين في الحزب الديموقراطي، مثل السيناتور راس فاينغولد من ولاية وسكونسن، الذي خسر مقعده لمصلحة مرشح «حزب الشاي»، رجل الأعمال المغمور رون جونسون، ليصبح أول شيخ يميني في الولاية منذ 18 عاماً. ولم يكن حظ محافظي الديموقراطيين أفضل من التقدميين، فخسر 23 من هؤلاء مقاعدهم في مجلس النواب. وأبرز الرابحين هي المرشحة السابقة لمنصب نائب الرئيس الأميركي سارة بايلن، وقد نجح معظم من ساندتهم لتصبح رسمياً صانعة المرشحين. لقب ستتشاركه مع الشيخ الجمهوري القوي جيم دي مينت، إذ فاز كلّ الذين دعمهم شخصياً.
وقد يكون أكبر الرابحين، في المعركة، النائب جون باينر من ولاية أوهايو، الذي أصبح في منتصف الطريق ليكون رئيس مجلس النواب الجديد، وأهم وأقوى جمهوري في واشنطن. مركز قد يسمح له بعد سنتين بالتفكير في الترشح لرئاسة الجمهورية.
ومع بدء صدور النتائج فجر الأربعاء، اتصل أوباما بباينر وزعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل وهنأهما على ربح حزبهما. وقال البيت الأبيض في بيان إنّ الرئيس قال لهما إنّه «يأمل التوصل الى أرضية للتفاهم ودفع البلاد قدماً»، فيما قال مكتب باينر إنّ الزعيم الجمهوري «أجرى محادثة قصيرة، لكنّها لطيفة مع أوباما».
وأظهرت استطلاعات الرأي، التي أجريت مع الناخبين فور خروجهم من مراكز الاقتراع، أنّ الانتخابات كانت فعلاً استفتاءً على سياسة أوباما، إذ قال معظم من استُطلعوا إنّهم غير راضين عن سياسات الديموقراطيين في السنتين الماضيتين. وتبيّن وفق المقابلات التي أجريت إنّ تسعة من بين عشرة مقترعين قلقون من الوضع الاقتصادي، وأربعة من عشرة قالوا إنّ أحوالهم تدهورت في السنتين الماضيتين. كما أظهرت الاستفتاءات التي أجرتها «ناشيونال إليكشون بول» لمصلحة عدد من محطات التلفزة والصحف والوكالات الصحافية، أنّ الناخبين كانوا أكثر غضباً من أعضاء الكونغرس مما كانوا عليه في 2006، حين خسر الجمهوريون غالبيّتهم. وأعلن العديد من المقترعين أنّهم محافظون، ما يؤكد «فجوة الحماسة» بين الديموقراطيين والجمهوريين الذين اقترعوا بكثافة أكبر. وأعرب معظم المقترعين عن اعتقادعم بأنّ سياسات أوباما ستضرّ البلاد على المدى الطويل، عوض المساعدة.
وكان الرئيس الأميركي، بعد أسابيع من التنقلات المكوكية بين الولايات المختلفة لمساعدة مرشحي حزبه، قد أمضى يوم الاقتراع في مكتبه وتابع النتائج مع مستشاريه على محطات التلفزة. وكان قد اقترع قبل أسبوع بالمراسلة من مكتبه في البيت الأبيض.

فشل الماريجوانا

لم يحظ الاقتراح رقم 19 الذي عرض على الاستفتاء في ولاية كاليفورنيا على النسبة الكافية لاعتماده، وخسر بفارق ثماني نقاط بعدما حاز نسبة 44 في المئة من الأصوات. وكان التعديل يرمي إلى عدم تجريم أي شخص يحمل أقل من 28 غراماً من الماريجوانا لاستخدامه الشخصي. وكان سيسمح للناس بزرع النبتة في حدائقهم الخلفية. ويعزو مناصرو التعديل الفشل إلى امتناع الشباب عن التصويت وغلبة المسنّين على نسبة المقترعين.
ومن طرائف انتخابات الثلاثاء فوز امرأة متوفاة تدعى جيني أوروبيزا لعضوية مجلس الشيوخ المحلي في ولاية كاليفورنيا. وتبيّن أنّها كانت تمثل الحزب الديموقراطي منذ سنوات في المجلس، وتوفّيت قبل عشرة أيام، بعد طبع أوراق الاقتراع، ولم يعرف معظم الناخبين بموتها، فنجحت بنسبة 58 في المئة.


أوباما: الشعب محبط

أقرّ الرئيس الأميركي باراك أوباما بالهزيمة القاسية في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، التي جرت أول من أمس، أمام الجمهوريين، مضيفاً أن الاقتصاد كان الدافع الأساسي للتصويت، ومشيراً إلى أن الشعب محبط. لكن أوباما أضاف أنه «يتطلع إلى العمل مع الجمهوريين بعد فوزهم في الانتخابات»، قائلاً «أنا حريص جداً على الجلوس مع أعضاء من الحزبين كليهما ووضع تصور للمجالات التي يمكننا السير بها قدماً».
وتابع «بعد ليلة، أنا متأكد من أنها كانت طويلة بالنسبة لكم ولي، أقول لكم إن الانتخابات أكدت ما سمعته من الناس. الناس يشعرون بإحباط بالغ بسبب وتيرة الانتعاش الاقتصادي». ورغم إقراره بالمسؤولية المباشرة عن بطء الاقتصاد، شدد على أن فوز الجمهوريين لا يمثل رفضاً عاماً لأجندته.
(أ ف ب)