خاص بالموقع | واشنطن ـ محمد سعيديبدأ الرئيس الأميركى باراك أوباما يوم السبت جولة آسيوية يستهلها بزيارة الهند، التي ستكون مدينة مومباي، العاصمة الاقتصادية للبلاد، أولى المدن التي يزورها فيها، وتشمل الجولة إندونيسيا وكوريا الجنوبية واليابان.
وتعدّ زيارة أوباما للهند، التي تستمر أربعة أيام، فرصة لإعادة ضبط وتيرة العلاقات الثنائية بين البلدين لتحقيق البعد الاستراتيجي لها، وخاصةً بعدما تراجعت اهتمامات البلدين بالقضايا الثنائية بينهما، وتركزت اهتمامات كلّ منهما على قضاياه الخاصة باستثناء الاتفاق النووي المدني.
وهناك العديد من الموضوعات التي ستتناولها محادثات أوباما في الهند، من بينها قضية نقل التكنولوجيا العسكرية المتطورة، والمحاولات الهندية بشأن الحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي، والأوضاع في أفغانستان وباكستان وتأثيرها المباشر على الهند، إضافةً الى المساعدات العسكرية الأميركية لباكستان، ومخاوف نيودلهي من أن تحوَّل ضد الهند، الى جانب بحث الطموحات الإيرانية النووية.
وتتبنى حكومة الرئيس أوباما حتى الآن سياسة عدم التدخل فى النزاع الهندي ـــــ الباكستاني، محافظةً بذلك على مصالحها الخاصة فى العمل مع كلا البلدين، حيث تعدّ واشنطن كلاً من باكستان والهند شريكين في ما يسمى «الحرب على الإرهاب»، ولا ترغب فى أن تخسر أياً منهما.
وستكون العلاقات العسكرية الهندية الأميركية، على قائمة المواضيع التي ستُبحث خلال الزيارة، حيث لا تزال الشكوك تراود الجانب الهندي من عواقب الانخراط في شراكة عسكرية طويلة الأمد مع الولايات المتحدة، تهدف الى تحقيق مصالح أميركا فى المقام الأول، من خلال توقيعها اتفاقيات تعاون مشترك مقابل ذلك، مما أدى الى عدم التوقيع حتى الآن على اتفاقيات معدة للتوقيع منذ ثلاثة أعوام تقريباً.
ويُتوقع أن يوقع أوباما ورئيس الوزراء الهندي مانموهان سينج صفقة تاريخية خاصة بطائرات نقل عسكرية أميركية، وأن يبحثا مسألة بيع محتمل لمقاتلات يمكن أن تأخذ الشراكة العسكرية الأميركية مع الهند إلى آفاق جديدة. وتسعى الهند الى تحديث ترسانتها العسكرية القديمة من خلال إبرام عقود بمليارات الدولارات، وتشمل طلبات الشراء صفقة قيمتها 11 مليار دولار لشراء 126 طائرة، وتتنافس عليها شركتان أميركيتان هما «بوينغ»، و «لوكهيد مارتن» الى جانب عدد من الشركات الفرنسية، ومن بلدان أوروبية أخرى.
وعن العلاقات التجارية بين الهند والولايات المتحدة، يلاحَظ ارتفاع حجم التجارة بين الجانبين الى نحو 50 مليار دولار خلال العام المالي الحالي، ويُتوقع أن يتجاوز مئة مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة.
وفي إندونيسيا، التي يزورها أوباما يوم العاشر من الشهر الجاري، يلقي الرئيس الأميركي خطاباً في جامع الاستقلال، أكبر مساجد إندونيسيا، الذي يقع فى وسط جاكرتا، يتطرق فيه إلى موقفه الخاص من العلاقات بين الغرب والعالم الإسلامي، والخطوات التي يجب اتخاذها لتقريب الفجوة بين الغرب والإسلام وإنهاء العداوة بين الجانبين. وقال مسؤول أميركي إن الخلافات والنزاعات بين الطرفين هي نتيجة لسوء الفهم بينهما، وبناءً عليه فإن أوباما يبادر إلى إزالة سوء الفهم بين الجانبين.

الهم الصيني

ويشير خبراء ومحللون إلى أن جولة أوباما الآسيوية لا تغفل موضوع الصين ونفوذها في المنطقة، إذ إن التوسع العسكرى الصيني والسياسات التجارية الجازمة أثارا الانزعاج فى مختلف أنحاء آسيا، ودفعا العديد من جيرانها إلى إعادة إقامة تحالفات قديمة، وتنمية تحالفات جديدة للدفاع عن مصالحها بطريقة أفضل ضدّ القوة العظمى الصاعدة.
وتوفر دوامة من الصفقات الدبلوماسية، امتدت من طوكيو إلى نيودلهي، للولايات المتحدة فرصة لإعادة تأكيد نفسها في منطقة يُنظر فيها إلى تفوق الصين على أنه أمر محتوم.
وتكتسي زيادة نفوذ الصين وقوتها العسكرية في المحيط الهندي أهمية استراتيجية لا تخفى على أحد. من جهة ثانية، تعتزم الولايات المتحدة استقطاب الهند الى شبكتها الاستراتيجية العالمية والتصدي لنفوذ بكين المتزايد فى المنطقة، لأن الولايات المتحدة لا ترغب في الابتعاد عن المنطقة، بل تهدف الى الحفاظ على حضور دائم فيها، حيث تمثّل المناطق الحدودية المتاخمة لباكستان قلقاً مشتركاً للهند والولايات المتحدة، خشية أن تسعى الصين إلى تحويل «طريق الحرير» القديم الى خط للسكك الحديدية لربطها بباكستان، مما يحدث تحولاً جذرياً قد يفضي الى تغيير المعادلات الجيوسياسية في المنطقة.
ويذكر أن اليابان والهند تتوددان لدول جنوب شرق آسيا باتفاقيات تجارية، وبالتحدث عن «دائرة ديموقراطية»، فيما لدى فييتنام علاقة آخذة في الدفء على نحو سريع مع عدوها القديم الولايات المتحدة، لأن صديقتها القديمة الصين تطالب بأحقية ملكية أراض واسعة في بحر الصين الجنوبي.
وأشارت صحيفة «نيويورك تايمز» إلى أن الدول الآسيوية التي تشملها جولة أوباما اتخذت خطوات بدرجات متفاوتة من الصراحة لكسر حدة النفوذ الصيني في المنطقة. وقالت إن الصفقات والتحالفات لا يقصد بها احتواء الصين، لكنها تلمّح إلى تحول ملموس في المشهد الدبلوماسي فى عرض واضح تجمع فيه زعماءً من 18 دولة فى نهاية عطلة الأسبوع الماضي، في مؤتمر هانوي، الذي شابه التوتر بين الصين وجيرانها.
واقترحت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في اجتماع هانوي مفاوضات ثلاثية الأطراف بمشاركة الولايات المتحدة لحل النزاعات بين الصين وجيرانها، بما فيها اليابان، بشأن سلسلة من الجزر المهمة استراتيجياً في بحر الصين الجنوبي، وخاصةً أن معظم الدول الآسيوية تزايد قلقها بشأن مدى السرعة التي يحدث بها ذلك التحول، والشكل الذي قد تكون عليه الصين كقوّة عظمى.
ويزعم خبراء أميركيون أن الشركاء التجاريين الكبار للصين يشتكون من أنها تتدخل بقوة بالغة للحفاظ على خفض قيمة عملتها، وأن قيودها الأخيرة على صادرات المعادن النادرة لليابان أولاً، ثم للولايات المتحدة وأوروبا، أثارت توقع إمكان استخدامها لمكانتها المهيمنة في بعض الصناعات كسلاح دبلوماسي وسياسي.
وقد اعتاد المسؤولون الأميركيون التحدث عن الصين كعملاق اقتصادي آسيوي، وهم اليوم يتحدثون عن الهند والصين كعملاقين توأمين، فيما يتوق جميع جيران الصين إلى تعميق العلاقات معها.
ويبدو أن التعامل مع الصين يمثل نوعاً من الانشغال الدائم بالنسبة إلى زعماء آسيا، فقد بحث رئيس الوزراء الياباني ناوتو كان مع نظيره الهندي مانموهان سينج اقتصاد الصين المزدهر والتوسع العسكري والحسم المتزايد الخاص بالأراضي، فيما أبدت كوريا الجنوبية خيبة أملها العميقة فى وقت سابق من العام الحالي، عندما عرقلت الصين إدانة دولية لكوريا الشمالية لإغراق سفينة حربية كورية جنوبية.
ويُبدي محللون ودبلوماسيون أميركيون قلقهم من وتيرة التوسع العسكري للصين، وشدة سياساتها التجارية في السر. وقال الخبير في السياسات والاقتصاد الصيني في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، تشارلز فريمان إن «الصينيّين استقبلوا اجتماع هانوي على أنه هجوم جماعي عليهم، وليس هناك شك في أنهم أخطأوا في موقفهم الخاص بهم في المنطقة».