90% من مرشّحي اللوبي الأرمني فازوا: «الإبادة» على الطريق وتضاؤل حظوظ السفير
أرنست خوري
كانت تركيا حاضرة بقوة في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، يوم الثلاثاء الماضي. صحيح أنّ خيارات الناخبين الأميركيين تحكمها أولاً العناوين والهموم الداخلية، الاقتصادية ـــــ الاجتماعية خصوصاً، لكنّ لعبة اللوبيات لم تغب كلياً، ككل مرة يجري فيها اقتراع عام يخرج بنتيجته مَن يؤثّر جدياً على العلاقات الخارجية للولايات المتحدة. وخلف المعركة الشرسة بين الحزبين الديموقراطي والجمهوري وما على جانبهما من يمين ويسار و«شاي»، كان هناك لوبيان كبيران يتصارعان: اللوبي الأميركي ـــــ الأرمني، ونظيره الأميركي ـــــ التركي. صراع عمره من عمر تأسيس الجمهورية التركية، ويرتبط بسعي أرمني أبدي إلى الضغط على حكام أميركا للحدّ من تحالفهم مع تركيا من خلال إقرار قانون «الإبادة الأرمنية»، وما قد يترتب على ذلك من عقوبات وموجبات قانونية وسياسية ومالية. سعي تقابله جهود تركية للحؤول دون ذلك، من خلال تذكير الأميركيين بما تعنيه تركيا ـــــ الحليف الأميركي في المنطقة ـــــ من قيمة استراتيجية، سياسياً ونفطياً واقتصادياً.
ومعروف تاريخياً أن الديموقراطيين الأميركيين هم أقرب عموماً إلى الأرمن ومطالبهم التاريخية ضدّ تركيا ومصالحها، التي كان الجمهوريون يدافعون عنها. من هنا، كان انتخاب باراك أوباما رئيساً خبراً سيّئاً لحكام أنقرة المتحمّسين لجون ماكاين أكثر في حينها، وهو البعيد عن اللوبي الأرمني الذي عُرف أوباما كأحد رموزه.
لكن، منذ قرّرت أنقرة إعادة تعريف تحالفها مع واشنطن من موقع القوة الإقليمية الكبرى المستقلة عن القرار الأميركي في المنطقة، اختلف كل شيء. ازداد توجُّس الجمهوريين الأميركيين إزاء التحسّن في العلاقات التركية ـــــ الإيرانية والتركية ـــــ السورية، مع التدهور الكبير مع إسرائيل. واليوم، لم يعد معيار الانتماء الحزبي للمرشحين الأميركيين يكفي لنيل دعم اللوبي التركي في أميركا، إذ خُلطَت الأوراق، وصار هناك ديموقراطيون رافضون وآخرون موالون لمعاقبة تركيا من خلال «قانون الإبادة»، وكذلك الحال في المعسكر الجمهوري.
وحملت انتخابات الثلاثاء الماضي بشائر أقل من عدد الخيبات للأتراك؛ خسروا موالين كثراً داخل مجلسي الشيوخ والنواب، وربحوا عدداً أقل. ومن شبه المحسوم أن تحمل تلك النتائج أوجاع رأس إضافية لإدارة الرئيس أوباما في سياسته الخارجية، كأنّ النكبة التي مُني بها حزبه لا تكفيه في سياساته الداخلية.
وبدا واضحاً أنّ اللوبي الأميركي ـــــ الأرمني حقق انتصاراً كبيراً، وخصوصاً في مجلس النواب؛ فبحسب الأرقام التي وزّعتها «اللجنة الوطنية الأرمنية في أميركا»، وهي اللوبي الأرمني الأكبر في الولايات المتحدة، فإنّ 90 في المئة من المرشّحين (من الحزبين) الذين نالوا دعمها فازوا. وأعطى بيان لـ«اللجنة الأرمنية» فكرة عن انتصارهم في مجلس الشيوخ، حيث فاز «صقور» الموالين للقضية الأرمنية، مثل مارك كيرك في ولاية إيلينوي وباربارا بوكسر في كاليفورنيا وهاري ريد (مُعِدّ مشروع قانون الإبادة في الكونغرس) في نيفادا وشارل شومر في نيويورك. أما في مجلس النواب، ففاز، وفق البيان، 152 مناصراً لقانون «الإبادة» من أصل 158 مرشحاً نالوا دعم اللوبي الأرمني.
أمام هذا «التسونامي» الأرمني الذي شمل ولاية كاليفورنيا، التي تقطنها جالية أرمنية كبيرة، كان لا بدّ للوبي التركي في أميركا، «لجنة العمل السياسي»، من أن يرفع رأسه ليقول: فاز مرشحون نالوا دعمنا، لا في مجلسي النواب والشيوخ فقط، بل في انتخابات قضاة الولايات أيضاً. وأكثر ما أفرح الأتراك خسارة رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي منصبها لمصلحة زعيم الغالبية الجمهورية جون باينر، إضافة إلى خسارة الديموقراطي هوارد بيرمان مقعده في لجنة الشؤون الخارجية لمنافسته الجمهورية إيليانا روس ـــــ ليتينن. ومعروف عن بيلوسي وبيرمان حماستهما لخدمة الأرمن.

أكثر ما أفرح الأتراك خسارة نانسي بيلوسي منصبها وهوارد بيرمان مقعده
ستبدأ ولاية المنتخبين الجدد في 3 كانون الثاني المقبل. وحتى ذلك التاريخ، يُرجَّح أن تجهد إدارة أوباما، ابتداءً من منتصف الشهر الجاري، في الضغط على الكونغرس للتصديق على تعيين السفير فرانك ريتشارديوني في تركيا. تسمية فشلت مرتين منذ فرغ المقعد في تموز الماضي، وذلك بفضل جهود السيناتور الجمهوري عن ولاية كنساس سام برونباك الذي سيترك مقعده في الثالث من كانون الثاني المقبل. وبعد هذا التاريخ، ستكون تسمية ريتشارديوني مهمة أصعب بما أن نواب حزب الرئيس فقدوا غالبيتهم في مجلس النواب. وفي واقع بقاء منصب سفير أميركي لدى إحدى أهم عواصم الشرق الأوسط فارغاً لمدة 5 أشهر حتى الآن، إشارة بالغة الدلالة على الأزمة التي تعيشها إدارة أوباما في سياستها الخارجية، وخصوصاً في علاقاتها مع تركيا ـــــ العدالة والتنمية التي عرفت ولا تزال مطبّات وألغاماً غير مسبوقة منذ عقود.
أما الخوف الأكبر، فهو يأتي من «قانون الإبادة». بات الوقت أكثر من مناسب لإقرار هذا القانون، حتى وإن كان مؤكداً أن الرئيس أوباما سيلجأ إلى حق النقض (الفيتو) لإبطاله. لكن مجرد التصويت عليه في مجلسَي الكونغرس، أو حتى في مجلس واحد من الغرفتين، سيكون ضربة قاسية للعلاقات التركية ـــــ الأميركية، وخصوصاً أن هذا القانون سبق أن أُقرّ في لجنة الشؤون الخارجية لمجلس النواب في آذار الماضي، ولم يعد ينقص إلا عرضه على الهيئة العامة حيث الغالبية مؤيّدة له.