لم تفلح جهود الولايات المتحدة حتى الآن في دفع شريكي الحكم في السودان للتوصل إلى تسوية مشاكلهما العالقة، في ظل عدم اقتناع الخرطوم بما تقدمه واشنطن من عروض
جمانة فرحات
تحوّل السودان خلال الفترة القليلة الماضية إلى محجّ لعدد من المسؤولين الغربيين والأفارقة بسبب اقتراب موعد استفتاء الجنوب المحدد بعد أقل من شهرين.
غير أن الزيارات الأهم تبقى لمبعوثي الإدارة الأميركية، وتحديداً السيناتور جون كيري (الصورة) الذي دخل على خط الوساطة بين شريكي الحكم في السودان من باب تقديم العروض لحكومة الخرطوم. فخلال أقل من أسبوعين، قام كيري بزيارتين للخرطوم وجوبا، تبين أن هدفهما لم يكن سوى تقديم خريطة طريق أميركية تضمن أساساً تسوية قضية أبيي المتنازع عليها، إلى جانب إجراء استفتاء جنوب السودان مقابل تطبيع تدريجي للعلاقات مع حكومة الخرطوم.
تطبيع يتطلب من حكومة البشير من وجهة النظر الأميركية العمل على ثلاثة مسارات، الأولوية فيها للإيفاء بالتزامات اتفاقية السلام الشامل إلى جانب تحسين التعاون على محاربة الإرهاب وإقرار السلام والاستقرار لمواطني دارفور.
إيفاء يترجم أميركياً بضمان إجراء استفتاء جنوب السودان واحترام نتائجه، وإن أدت إلى انفصال الجنوب كما هو متوقع. كذلك تطالب قائمة الشروط الأميركيّة حزب المؤتمر الوطني الحاكم بالتوصل إلى تسوية مع الحركة الشعبية لتحرير السودان بشأن القضايا العالقة المرتبطة بترتيبات ما بعد الاستفتاء من قضايا المواطنة والحدود وتوزيع الموارد الطبيعية والمعاهدات الدولية والعلاقات المشتركة، من دون اللجوء إلى الحرب، وضمن مهلة محددة بتموز 2011.
ومن بين الشروط كذلك، امتناع حكومة السودان عن القيام بأعمال عسكرية استفزازية أو خلق زعزعة عبر الحدود، ويشمل ذلك «التحركات العسكرية عبر الحدود وتدفق الأسلحة واستخدام الوكلاء»، في إشارة إلى تبنّي واشنطن للاتهامات التي طالت الحكومة السودانية بالوقوف وراء عدد من الانشقاقات التي حصلت داخل الجيش الشعبي لتحرير السودان، وأدت إلى اندلاع أعمال قتالية في الجنوب.
كذلك من الواضح إيلاء الإدارة الأميركية أهمية لأوضاع الجنوبيين المقيمين في الشمال بعد حدوث الاستفتاء، بتشديدها على أهمية ضمان حماية حقوقهم وأمنهم.
واللافت أن الوثيقة الأميركية لم تشترط ضرورة إجراء استفتاء أبيي، بل طالبت بحسم الوضع المستقبلي للمنطقة المتنازع عليها برضى الأطراف المعنية، وهو ما يتماشى مع دعوات بعض قيادي الحزب الحاكم إلى إيجاد تسوية للملف بعيداً عن الاستفتاء بعدما تبين تعذر إمكان إجرائه في ظل الخلافات المستمرة على هوية من يحق له المشاركة في الاستفتاء من جهة، وضيق الوقت من جهة ثانية.
وفي مقابل استجابة الحكومة السودانية، أبدت الإدارة الأميركية استعدادها لمساعدة الخرطوم ضمن قائمة من «المغريات» تتوزع على شقين: سياسي واقتصادي، ومجزأة إلى مرحلتين.
في المرحلة الأولى، استحضرت الإدارة الأميركية من جعبة مغرياتها رفع اسم السودان عن القائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب، وإن وضعت لذلك شرطاً شكلياً يتمثل في تلبية حكومة السودان «كل المعايير القانونية وامتنعت عن دعم الإرهاب الدولي في الستة أشهر السابقة وقدمت تأكيدات على أنها لن تدعم الإرهاب في المستقبل وستدعم جهود مكافحة الإرهاب دعماً فاعلاً».
عندها كذلك يتحول تعيين سفير أميركي ليدير شؤون سفارة بلاده، التي تعد الأكبر في أفريقيا، أمراً مفروغاً منه.
أما الشق الاقتصادي، الذي يبدو الأكثر أهمية من وجهة نظام البشير، فإنه يركز في المرحلة الأولى على توسيع مروحة التراخيص والاستثمارات مع السودان، باستثناء قطاع النفط.
أما في ما يتعلق بمسألة إعفاء السودان من ديونه، الذي يعد أولوية لحكومة الشمال، فإن الولايات المتحدة أبدت استعدادها لمناقشته في المرحلة الأولى، فيما ربطت العمل على التوصل إلى اتفاقات بشأنه بشروط جديدة تمثّل محور المرحلة الثانية من تطبيع العلاقات، ويؤدي فيها إقرار السلام والاستقرار في دارفور دوراً أساسياً.
لذلك، إن الحكومة السودانية تبدو غير مكترثة بالعرض الأميركي بصيغته الحالية، ولم ترَ فيه سوى فرصة للمماطلة من واشنطن، يعكس نهجها الدائم بتقديم وعود تأتي ترجمتها الفعلية بممارسة المزيد من الضغوط على السودان.