باريس ــ بسّام الطيّارة حالما عاد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي من سيول، أول من أمس، حتى أعلن قبول استقالة رئيس حكومته فرانسوا فيّون، قبل أن يعلن الإليزيه في اليوم التالي تكليفه مجدّداً تأليف حكومة جديدة. حكومة استبعد منها مرشح الوسط، وزير البيئة، جان لوي بورلو، الذي رشّحته الأوساط السياسية منذ فترة لترؤس الفريق الجديد، اعتقاداً بأنّ ساركوزي قد «يُدفِّع» فيّون ثمن ارتفاع شعبيته، في ظل انحدار شعبيته هو إلى الحضيض.
وكان قاطن الإليزيه قد أعلن، منذ خمسة أشهر، «تغييراً مرتقباً» للحكومة، بسبب استنفاد الوزارة الحالية قدراتها على الحكم ومتابعة «الإصلاحات». ولم يعد ممكناً، بعد إقرار قانون «إصلاح» نظام التقاعد ونزول التظاهرات المليونية، تأخير هذا «التعديل».
ويرى المراقبون أن حكومة فيّون الثالثة سوف ترافق ساركوزي حتى نهاية عهده بعد سنة ونصف سنة. وإن حصل ذلك، يكون رئيس الوزراء قد سجّل رقماً قياسياً في البقاء في القصر الحكومي «ماتينون» طيلة فترة رئاسية كاملة.
ولا يغيب عن المراقبين أن ملف تأليف الحكومة يطاول مباشرةً تماسك الغالبية النيابية اليمينية التي تدعم ساركوزي، وهي التي بدأت الشروخ تظهر في داخلها. ومن أبرز هذه العلامات استبعاد بورلو عن رئاسة الحكومة، ما اضطره إلى إصدار بيان رفض فيه المشاركة في الوزارة، وهو ما عدّه البعض «زلزالاً» وهجوماً مباشراً على الرئيس، قد يقود إلى سحب تأييد كتلة الوسط بكاملها، وخصوصاً أن الممثل الثاني للكتلة، وزير الدفاع هرفيه موران، كرّر مراراً تفضيله الابتعاد عن الوزارة لاستعادة حريته. حتى إنه لم يخفِ تأييده لترشيح وسطي لانتخابات الرئاسة المقبلة، كما أن بورلو، الذي قاد معركة التصدي لانعكاسات الإضرابات التي شلت فرنسا، لم يتردّد في وضع «الانسجام الاجتماعي» في مقدمة تبريراته لعدم رغبته في كرسيّ وزاري بقوله «اخترت حرية الكلام لترميم الانسجام الاجتماعي».
بالطبع، تراجع شعبية ساركوزي فتح شهية العديد من مناصريه وحلفائه، وأسهم إسهاماً مباشراً في هز صورة الرئيس. من هنا يمكن القول إن إعلان التغيير الحكومي هدفَ إلى إضعاف الراغبين في دور مستقبلي في الصفوف الأولى. الشق الثاني لمعركة ترميم اليمين كان في عرين حزب تجمع الأكثرية، إذ إن زعيم كتلة نوابه، فرانسوا كوبيه، «رفض أيضاً مقعداً وزارياً»، بحسب مصادر مقربة منه، وفضّل الارتقاء إلى زعامة الحزب، من دون أن يخفي تطلعاته إلى الترشح في انتخابات 2017، وبالتالي فهو يسعى «إلى قطع الطريق على منافسيه» وتحصين موقعه في الحزب ووضع مقربين منه في المراكز الحساسة.
وإن كان ساركوزي قد هدف عبر هذا التغيير الحكومي إلى تحسين شعبيته، فقد جاءت النتيجة معاكسة تماماً لهذه الأهداف. فالوجوه التي «طعّم بها الحكومة الجديدة» هي من تيار رئيس الجمهورية السابق جاك شيراك، وأبرزهم آلان جوبيه في وزارة الدفاع، وميشال إليو ماري في وزارة الخارجية بدل برنار كوشنير، وهي أسماء لا تعكس القوى التي دعمت ساركوزي في ربح معركة الرئاسة. في المقابل، أعاد التعديل كزافيه برتران إلى وزارة الشوؤن الاجتماعية، وبقيت فاليري بيكريس، التي قلبت رأساً على عقب وزارة التعليم العالي. أما وزارة العدل، فقد عُيِّن ميشال ميرسيه حيث يستعد الرئيس لموجة إصلاحات يصفها البعض بأنها «معركة تصفية حسابات مع القضاة» يستطيع ميرسيه القيام بها، علماً أن كريسين لاغارد بقيت في وزارة المال.