لم يتأكّد بعد الرد التركي على مشروع توسيع نظام الدرع الصاروخية للحلف الأطلسي. في جميع الأحوال، ستحسم قمة لشبونة جزءاً من الجدل الحاصل بشأن ما إذا كانت أنقرة قد نقلت وجهة دبلوماسيتها إلى الشرق، أو أن أولويتها لا تزال أوروبية
أرنست خوري
بدا أنّ تركيا حقّقت نصراً دبلوماسياً باكراً سبق بدء أعمال قمة حلف شمال الأطلسي. «الانتصار» الذي كشفت عنه الصحف التركية، أمس، يُترجَم بتلبية قادة «الأطلسي»، وخصوصاً الولايات المتحدة، أحد الشروط التركية على الموافقة في المشاركة بالدرع الصاروخية المنوي توسيعها لتضم بولندا ورومانيا وتركيا، وهو أن تغيب كلمة إيران عن البيان الختامي الذي سيصدر عن القمّة وعن الوثائق الرسمية التي ستضع تفاصيل المشروع. لكن شرط عدم ذكر إيران كدولة ينبغي الاحتماء منها من طريق الدرع لم يكن الشرط التركي الوحيد، لذلك لم تُحسَم بعد نتيجة لقاءات اليوم وغداً في لشبونة، وسط إلحاح طهران على أنقرة لترفض المشاركة بدرع «هدفه الوحيد هو حماية إسرائيل».
وكشف دبلوماسيون أتراك لصحيفة «توداي زمان» عن أنّه لن يورَد اسم إيران في الشق المتعلق بالدرع الصاروخية في البيان الختامي، ولا في وثائق الحلف التي ستكون أشبه بعقْد توضَع فيه التفاصيل القانونية والتقنية المتعلقة بالدرع الصاروخية. وبحسب المصادر نفسها، فإنّ أنقرة تدرك أن المسؤولين الأميركيين سيواصلون تفسير موجبات توسيع وربط الأنظمة الصاروخية للدول الأعضاء في الحلف الأطلسي بـ«الخطر الإيراني»، لكن هذا «لا يلزم تركيا وعمل النظام الصاروخي الموحد بأي شيء». بناءً على ذلك، فإن تركيا ستتجاهل التصريحات الأميركية المتوقعة ضد إيران، بما أنه وفق الاتفاق المبرَم قبل انعقاد قمة لشبونة، فإنّ العبارة التي ستُستخدَم عند الحديث عن مبررات الدرع الصاروخية ستكون «الاحتماء من مخاطر محتَمَلة». وقال مصدر تركي للصحيفة نفسها إن «تركيا ليست ضد فكرة مشروع الدرع ولا ضد التحرك ضد إيران إذا اعتدت على أي من الدول الـ28 الأعضاء في الحلف الأطلسي. لكن بما أن هدف المشروع هو لجم أي تهديد قد ينشأ في المستقبل، فلماذا ذكر دول بعينها؟».
وسبق لوزير الخارجية أحمد داوود أوغلو أن هيّأ الأجواء للتوصل إلى اتفاق في لشبونة، عندما أكّد أن تركيا لا تعدّ قرارها بمثابة اختيار بين إيران والولايات المتحدة، من دون أن ينسى التلويح بأنه، في النهاية، تركيا «ليست خائفة من أن تكون وحدها في رفض المشاركة في الدرع الصاروخية الأطلسية إذا لم تتحقق مطالبها المحقّة».
لكن بدا أن الجهد الدبلوماسي التركي لم يكن كافياً لطمأنة إيران التي خرجت عن صمتها، محذرةً من هذا المخطط الذي «يهدف إلى حماية إسرائيل»، على حد وصف المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية رامين مهمان برست. ونقلت وسائل إعلام إيرانية عن مهمان برست قوله، يوم الثلاثاء الماضي، إن «الهدف الرئيسي من هذا الإجراء هو دعم الكيان الصهيوني وحمايته من الاعتداءات».
وفي حديثه عن المشاركة التركية في المشروع، تمنّى المسؤول الإيراني على أنقرة منع نشر هذا النظام الصاروخي من خلال المفاوضات والمشاورات، لأن «إيران لا تمثّل أي تهديد لدول المنطقة، ولأن التهديد الحقيقي هو إسرائيل».
إذاً، انتهت مشكلة تحديد هوية الخطر بالنسبة إلى تركيا، لتبدأ معركة دبلوماسية جديدة في قمة لشبونة. معركة سيتولاها من الجانب التركي كل من الرئيس عبد الله غول وداوود أوغلو ووزير الدفاع وجدي غونول. وقد يكون غياب رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان عاملاً إيجابياً بالنسبة إلى زعماء دول «الأطلسي»، بما أن رئيس الحكومة هو أبرز «الصقور» المتشددين في ما يتعلق بوضعية بلاده إزاء مشروع الدرع الصاروخية.
وكان أردوغان قد انتهز مشاركته في قمة دول العشرين الاقتصادية في كوريا الجنوبية، ليضع الرئيس الأميركي باراك أوباما في صورة «التحفظات» التركية إزاء المشروع الصاروخي، بحسب صحيفة «جمهورييت». تحفظات تحيل المراقبين على الشروط التركية الأساسية (المشاركة العادلة في التمويل وأن تحمي الدرع جميع الأراضي التركية وأن ينال رضى روسيا وتعاونها وألا يذكر شيئاً عن الخطر الإيراني) التي أضاف أردوغان إليها بنداً رئيسياً يتجسّد بضرورة أن يكون للسلطات السياسية التركية القرار الأول في كل ما يتعلق بقيادة المشروع داخل الأراضي التركية.
وفور عودة أردوغان من سيول ومن بنغلادش، أول من أمس، عقد مؤتمراً صحافياً جدّد في خلاله استعداد دولته للمشاركة في المخطَّط الصاروخي الأطلسي، شرط أن يكون لأنقرة «قدر كبير من السيطرة على المشروع». وقال أردوغان: «القضية هي مَن ستكون له قيادة المشروع. ينبغي قطعاً أن تُمنَح لنا خصوصاً إذا كانت خطة داخل حدودنا وتغطّي أرضنا، وإلا فمن المستحيل قبول مثل هذا الشيء».
تجدر الإشارة إلى أنّ مشروع الدرع الصاروخية هذا ينص على ربط الأنظمة الصاروخية الوطنية القائمة في الدول الـ28 الأعضاء بالحلف، بأنظمة الرادار والاعتراض الأميركية لتكون جاهزة للدفاع عن أي دولة تتعرض لأي هجوم صاروخي.
وسيتضمن المشروع موافقة زعماء الحلف على استثمار 273.5 مليون دولار على مدى عشر سنوات في ربط قدرات الدفاع الصاروخي القائمة في بلادهم بالنظام الأميركي. وفي حال إقرار المشروع في القمة اليوم وغداً، من المتوقَّع أن تعمل الدرع الجديدة من خلال هيكل القيادة الحالية للحلف بالتنسيق مع هياكل القيادة الوطنية، مثلما هي الحال في الدفاع الجوي الموجود أصلاً بين دول «الأطلسي».