انتصار تركي وانفتاح على روسيا واتفاق على الخروج من أفغانستانكثيراً ما كانت إيران «الفزّاعة» التي استخدمتها واشنطن وحلفاؤها بطريقة علنية لتبرير إقامة الدرع الصاروخية، والاحتيال على روسيا، لكن قمة لشبونة أغفلت في بيانها كلياً ذكر إيران أو غيرها، وهو ما عدّته أنقرة انتصاراً لمطالبها يؤكّد متانة العلاقة مع طهران
اتفاق على مفهوم استراتيجي جديد للدرع الصاروخية، برضى روسي وتركي تجنّب استهداف إيران، واتفاق آخر على الحرب في أفغانستان، هذان المعطيان هما أبرز النتائج التي خرجت بها القمة الأطلسية ـــــ الروسية التي عُقدت في لشبونة على مدى يومين وانتهت أول من أمس، مُغلقةً مرحلة من التوتر بين عدوي الحرب الباردة القديمين.
وخرجت تركيا مسرورةً من نتائج القمة، إذ حصلت على ما أرادت من خلال عدم ذكر إيران أو أي دولة مجاورة في البيان الختامي كمصدر تهديد وهدف للدرع الصاروخية. ورحب الرئيس عبد الله غول بالقرارات. وقال إن «المفهوم الاستراتيجي الذي أُقر مطابق لما كنا نتوقعه، ونحن مسرورون جداً».
واتفق قادة الحلف الأطلسي على ضرورة إقامة درع مضادة للصواريخ من خلال تبنّيهم «مفهوماً استراتيجياً» يحدد مجموعة التهديدات التي تلقي بظلالها على أمنهم، والردود الحديثة لمواجهتها.
ولم يذكر «المفهوم الاستراتيجي» لا البلدان مثل إيران، ولا المناطق مثل الشرق الأوسط.
وذكر مصدر دبلوماسي تركي أن المفاوضات بين تركيا والحلف الأطلسي أدّت إلى نتيجة إيجابية بشأن طلب تركي آخر هو أن يغطي مشروع الدرع كامل أراضي البلدان الأوروبية في الأطلسي وسكانها وكذلك الولايات المتحدة. ولم يتطرق المصدر، ولا الصحافة التركية، إلى ما كان قد أعلنه رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، الذي أراد قيادة تركيّة للدرع الصاروخيّة، غير أنّ مراقبين أشاروا إلى أن قبول التركي للدرع يعني الموافقة على مختلف الشروط، من دون تقديم مزيد من الإيضاحات.
ورغم عدم ذكر «الخطر الإيراني»، فإنّ الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي رأى أن خطر الصواريخ البالستية المحدق بأوروبا مصدره إيران. وقال «لم تأتِ الوثائق العامة للحلف الأطلسي على ذكر أيّ اسم، لكننا نسمي الأمور بأسمائها، وخطر الصواريخ اليوم متمثل في إيران».
من جهة ثانية، أجمع القادة على الأهمية التاريخية للقمة في تدشين حقبة انفتاح بين الغرب وروسيا. وقال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، أندرس فوغ راسموسن، بعد ترحيبه بالرئيس الروسي ديمتري مدفيديف، «اليوم لم نساعد فقط على دفن أشباح الماضي التي طاردتنا طويلاً، بل طردنا هذه الأشباح».
وأوضح راسموسن أن الجانبين الأطلسي والروسي اتفقا على إحياء مشروع يهدف إلى حماية قواتهما المسلحة من الهجمات الصاروخية، الذي جرى تعليقه بعد التدخل في جورجيا وإجراء دراسة مشتركة لتوسيع المشروع ليشمل حماية السكان والأراضي.
بدوره، رأى الرئيس الأميركي باراك أوباما أن القمة تمثّل تجديداً للعلاقات بين موسكو والحلف العسكري الذي يضم 28 بلداً. وقال «نطلق الآن العلاقة بين الحلف وروسيا من جديد. نرى في روسيا شريكاً لا خصماً».
لكن مدفيديف حذر من أن روسيا يجب أن تعامَل على قدم المساواة مع الدول الأخرى في المشروع الجديد. وأوضح أن الردّ الإيجابي الذي قدمته موسكو الى الحلف للمساعدة على نصب درع مضادة للصواريخ في أوروبا كان مشروطاً بنوعية هذا التعاون، وأنّ على «روسيا أن تكون فكرة نهائية بشأن ما سيكون عليه النظام الأوروبي المضاد للصواريخ».
وحذّر «إمّا أن نشارك بالكامل ونتبادل المعلومات ويجري تكليفنا بحل هذه المسائل أو تلك، أو ألّا نشارك على الإطلاق»، مؤكداً أن موسكو لن تقبل أن تكون مجرد دولة ملحقة بالحلف.
وفي ظل القمة الأطلسية الروسية، عُقدت قمة أميركية ـــــ روسية سريعة وغير متوقّعة. وقال مسؤولون في الإدارة الأميركية إن اللقاء عُقد بمبادرة من أوباما وتناول نتائج محادثات الرئيس الأميركي مع الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي.
وناقش الرئيسان معاهدة ستارت الجديدة التي وُقّعت في نيسان الماضي في براغ وتنص على خفض 30 في المئة من عدد الرؤوس النووية، وتنتظر تصديق مجلس الشيوخ الأميركي.
وكان الرئيسان قد دعَوَا من على منبر قمة الأطلسي مجلس الشيوخ الأميركي إلى تحمل مسؤوليته عبر التصديق على المعاهدة. وقال مدفيديف إنّ عدم تصديق الولايات المتحدة على معاهدة «ستارت نيو» «سيكون معيباً»، محذّراً من أن روسيا ستتحرك «وفق مبدأ المعاملة بالمثل في ضوء ما سيحصل في الولايات المتحدة».
بدوره، دعا أوباما معارضيه الجمهوريين في الكونغرس الى عدم عرقلة التصديق، وأوضح أن إدارته حاولت معالجة مخاوف الجمهوريين بشأن الترسانة النووية الأميركية. ورأى أنّ المعاهدة «عنصر أساسيّ للأمن الأوروبي والأميركي».
كذلك دعا وزراء خارجية ست دول أوروبية بقوة النواب الجمهوريين في الكونغرس إلى التصديق على المعاهدة، وفعل هذا أيضاً الأمين العام للحلف.
وفي الملف الأفغاني، حققت قمة لشبونة اختراقات، إذ وافقت موسكو على السماح بمرور الإمدادات غير المقاتلة من أفغانستان وإليها بسكك الحديد الروسية، بما في ذلك للمرة الأولى آليات مضادة للألغام.

ساركوزي أصر على اعتبار أن خطر الصواريخ البالستية المحدق بأوروبا مصدره إيران

كذلك وافقت على إقامة صندوق مع الحلف لدفع ثمن 21 مروحية روسية ستسلم الى الجيش الأفغاني.
وقرر الحلف سحب قواته المقاتلة من أفغانستان بحلول 4 أعوام. وقال الأمين العام «لقد أطلقنا العملية التي سيصبح من خلالها الشعب الأفغاني سيد وطنه»، على أن تبدأ هذه العملية صيف 2011 في أقصى تقدير وتستمر حتى نهاية 2014.
ورأى الرئيس الأميركي أن حلف الأطلسي في طريقه لتحقيق هدفه في «كسر اندفاعة طالبان». وقال «إننا في وضع أفضل بكثير مما كنا عليه قبل عام» في أفغانستان. لكن مسؤولاً في البيت الأبيض، وصف حقيقة ما يجري في أفغانستان قائلاً إن «أحداً لا ينبغي أن يظن، خلال مراقبته (لقمة) لشبونة، أن المعارك انتهت أو حتى أن نهايتها اقتربت». وردّت حركة «طالبان» على بيان القمة، متوعدةً الحلف بالهزيمة.
وأجرى أوباما محادثات جانبية مع الرئيس الأفغاني حميد قرضاي قال إنها كانت شاقة، وخصوصاً في قضية الضحايا المدنيين.
وبالتوازي، جرت تظاهرات مندّدة بقمة الأطلسي. واعتقلت الشرطة البرتغالية 42 من المتظاهرين بعدما سدوا طريقاً قرب مكان عقد القمة. وقالت الشرطة إنه «كان عملاً من أعمال العصيان المدني».
(أ ب، أ ف ب، يو بي آي، رويترز)