بيونغ يانغ تصعّد عسكريّاً لتغطية أزمة توريث الحكم والنزاع مع واشنطن معمر عطوي
توتّر الموقف في شبه الجزيرة الكورية من جراء حادث إطلاق كوريا الشمالية عشرات القذائف المدفعية على جزيرة تابعة لكوريا الجنوبية، التي كانت تقوم بمناورات عسكرية ضخمة، تعدّها بيونغ يانغ تهديداً مباشراً لأمنها. ففي ظل إعادة رسم خريطة التحالفات الدولية، إثر توقيع معاهدات جديدة بين الأقطاب، تقع شبه الجزيرة الكورية في قلب التجاذبات الدوليّة، وخصوصاً بين الصين التي تدعم بحذر النظام الحاكم في بيونغ يانغ، وبين الولايات المتحدة، فيما يبدو أن روسيا وقفت إلى صف المنتقدين لحليفتها السابقة.
وتأتي حادثة أمس، التي قال مسؤولون كوريون جنوبيون إنها أدت إلى مقتل جنديين من جانبهم وإصابة 14 آخرين بجروح في قصف كوري شمالي لجزيرة «يونبيونغ» الواقعة في البحر الأصفر، في وقت كانت تجري فيه محاولات دولية دؤوبة لإعادة المفاوضات السداسية مع كوريا الشمالية بخصوص برنامجها النووي، وفي ظل الحديث عن عملية هادئة لانتقال السلطة داخل النظام، من الزعيم الحالي كيم جونغ إيل إلى نجله الأصغر كيم جونغ أون.
وبعد أشهر قليلة على غرق سفينة كورية جنوبية اتُّهم الشماليون بضربها، ظهرت تطورات جديدة كان أهمها الحديث عن اشتباه باستئناف كوريا الشمالية العمل في برنامجها النووي العسكري. معلومات تحدث عنها العالم النووي الأميركي، سيغفريد هيكر، الأحد الماضي، بقوله إن مسؤولين كوريين شماليين اصطحبوه هذا الشهر إلى محطة في مجمع «يونغ بيون» النووي، حيث شاهد مئات من أجهزة الطرد المركزي. خطوة وصفتها الولايات المتحدة بأنها استفزازية ومخيبة للآمال.
لكن بعض الخبراء يرون أن كشف بيونغ يانغ عن هذا التطور يستهدف حصولها على مزيد من التنازلات من جانب الولايات المتحدة في المحادثات السداسية، التي تشارك فيها إلى جانب كوريا الجنوبية والصين وروسيا والولايات المتحدة واليابان، والتي توقفت منذ كانون الأول 2008 بسبب خلافات بين واشنطن وبيونغ يانغ. يعزّز هذا التحليل تزامن الكشف عن استئناف البرنامج النووي مع زيارة المبعوث الأميركي الخاص لكوريا الشمالية، ستيفان بوسورث، في إطار جولة تشمل بكين وطوكيو وسيول.
وفي الوقت الذي يبدو فيه التصعيد بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية مجرد انعكاس للأزمة بين الأولى والغرب على خلفية برنامجها النووي، تسعى بيونغ يانغ إلى تعقيد الموقف لتغطية عملية توريث السلطة في مناخ من الوحدة الداخلية؛ فالولايات المتحدة استفزت النظام عبر فرضها عقوبات، يوم الخميس الماضي، على شركتين من كوريا الشمالية لهما علاقة بجماعة تتهمها واشنطن بتهريب مخدرات وأنشطة «غير مشروعة» لدعم «القيادة السرية» للبلاد. وبدا جلياً أن هذه العقوبات، التي سبقت المناورات الكورية الجنوبية، تبعتها إجراءات مثيرة للتساؤل في سيول، حيث أقيمت أول من أمس، مراسم تدشين «المؤسسة الداعمة للاجئين الكوريين الشماليين» البالغ عددهم نحو 20 ألف شخص في مركز المؤتمرات، بحضور نحو 300 شخصية، على رأسهم وزير الوحدة هيون إن تيك.
وقد تكون أحداث يوم أمس هي الأخطر في البحر الأصفر منذ اشتباكات عام 2002 الدموية، وذلك رغم المناخات التصعيدية التي واجهتها المنطقة إثر اختبارين صاروخي ونووي قامت بهما كوريا الشمالية.
مقدّمات هذا التوتر بدأت منذ غرق السفينة الجنوبية بهجوم طوربيد قالت سيول إن بيونغ يانغ أطلقته عليها في آذار الماضي، وتطورت في منتصف الشهر الماضي، حين هدد مسؤولون كوريون شماليون بأنهم سيقصفون بالمدفعية المواقع التي تطلق منها بالونات تحمل شعارات تحريضية ضد النظام.
حادثة السفينة أعادت الحرب الإعلامية بين الدولتين. حرب بدت جليّة مع تهديد وزير الدفاع الكوري الجنوبي، كيم تاي يونغ، الأسبوع الماضي، بأن الجيش سيسمح فوراً باستئناف البث الإذاعي للناشطين الكوريين الشماليين، إذا ما بدرت أي خطوة استفزازية من الشمال. بيد أن هذه التهديدات الجنوبية وصفتها كوريا الشمالية بأنها «إعلان حرب».
والمفارقة أن هذه المناخات المشحونة لم تمنع بيونغ يانغ من إطلاق مبادرة تصالحية الشهر الماضي، كانت نتيجتها توافق الطرفين على استئناف لمّ شمل العائلات التي فرقتها الحرب بين الكوريتين قبل ستين عاماً، مع التنويه هنا بأن البلدين في حالة حرب من الناحية التقنية، بعد انتهاء الحرب بينهما بهدنة لا باتفاقية سلام.
وسرت أمس مخاوف إقليمية ودولية من أن الأجواء السائدة توحي بإمكان اندلاع حرب، حيث أكد البيت الأبيض في بيان أن «الولايات المتحدة ملتزمة الدفاع عن حليفتها الجمهورية الكورية، والحفاظ على السلام والاستقرار الإقليمي»، فيما قال المتحدث باسم هيئة الأركان المشتركة الكورية الجنوبية، لي بونغ وو، إن جميع قواته في حالة تأهب، ونُشرت طائرات حربية في الجزيرة التي اشتعلت النيران في عدد من مبانيها السكنية.