الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي خبير في كل شيء. حتى في الاستشراق لديه «نظرية». يوم أمس، أتحف المشاركين في احتفال «غرفة التجارة الفرنسية ــ العربية» بكلام استشراقي عن غياب الديموقراطية عن العالم العربي
باريس ــ بسّام الطيارة

اختار الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي توقيتاً لافتاً ليلقي خطابه عن «سياسة فرنسا العربية»؛ الاحتفال بذكرى مرور أربعين عاماً على إنشاء «غرفة التجارة الفرنسية ــ العربية». مناسبة جرى إحياؤها على ضفاف نهر السين في معهد العالم العربي، ما استوجب «نقل» المشاركين في حافلات مخصصة إلى قصر الإليزيه لسماع هذا الخطاب إلى جانب حشد من السفراء العرب، تقدّمهم الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، وأسمعهم ساركوزي في خلالها رأيه في «الفرق بين الغرب والشرق»، ما حدا بعدد من المراقبين إلى وصف الخطاب بأنه «استشراقي» بحت.

بالطبع، لم تغب السياسة عن المناسبة؛ فقد ربط ساركوزي بين الدبلوماسية والتبادل التجاري من خلال التشديد على أنه «لا يمر أسبوع إلا يلتقي فيه بمسؤول عربي»، وإعرابه عن ثقته بأن «صوت فرنسا مسموع» في هذه الدول، رابطاً بين هذا الدور و«الاهتمام بالاتحاد من أجل المتوسط» الذي لن تتنازل عنه باريس لأنه «عنصر مهم في سياستها الحارجية». كلام لم يجد دبلوماسي عربي في تعقيبه عليه إلا القول إن «الاتحاد من أجل المتوسط وُلد ميتاً، ومن العبث محاولة إحيائه»، مهما تكن تطورات الملف الفلسطيني ــ الإسرائيلي. كذلك انتقد ساركوزي تفرُّد الولايات المتحدة بالإشراف على جهود إحياء عملية السلام في الشرق الأوسط، مجدداً دعوة باريس إلى «إعادة التفكير بالطريقة التي تُتَّبَع في هذا الموضوع».

وقد وصف مشاعر العرب تجاه فرنسا بأنها «إيجابية بعفوية»، عازياً ذلك إلى «سياسة الوضوح» والاستقلالية التي تتبعها باريس، قبل أن يعود ويشدد على «تشبثه بأمن إسرائيل». ورأى أن «إقامة دولة فلسطينية أمر يحقق الأمن الحقيقي لإسرائيل»، لافتاً إلى أنّ على هذه الدولة أن تكون «ديموقراطية وعصرية وذات سيادة، وأن تلتزم بحق إسرائيل بالأمن». وقد خرج الرئيس عن نص خطابه، منتقداً، أمام حشد السفراء، الدول العربية مباشرة بقوله: «لا عالم عربياً واحداً، بل عوالم عربية متعددة». وتوقف على وجود «ديموقراطية في الغرب، بينما في الشرق ثمة تنوُّع». وفسّر صحافي فرنسي متابع لأخبار الإليزيه كلام ساركوزي في التنوع بأنه يقصد منه «الفوضى التي تمنع الديموقراطية»، إذ إن خطابه كان يشير بنبرة «استشراقية خالصة» إلى التنوع الذي «تحرص فرنسا على بقائه في الشرق»، وهو «سمة تاريخية لهذه المنطقة»، قبل أن يطالب بـ«حماية مسيحيي الشرق» و«احتواء الفتنة بين السُّنة والشيعة».

لم يتطرق الرئيس أمام «غرفة التجارة» إلى «المواضيع التي تفسد الود»، مثل عمل الشركات الفرنسية الكبرى في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفي مشاريع تجري على أراضٍ مصادرة بقوة الاحتلال الذي «لا تعترف به فرنسا» حسب المتحدث باسم وزارة الخارجية برنار فاليرو. ورداً على سؤال «الأخبار»، رفض فاليرو الدخول في تفاصيل عمل شركتي «ألستوم» و«فيوليا» اللتين تبدآن في خلال أسابيع «استغلال ترامواي القدس»، رغم أنه أكد بقوة «عدم الاعتراف بضم الجولان والقدس الشرقية (المحتلين)». وقد لاحظ دبلوماسي عربي أن تصريح فاليرو يطال فقط «القدس والجولان، ويستثني الضفة الغربية التي تأكلها المستوطنات». وقد وافق دبلوماسي فرنسي، اشترط عدم الكشف عن هويته، على هذه المقاربة بقوله: «نحن نعترف بالاحتلال وندعو الأطراف لحل الخلاف عبر المفاوضات».

وتمسّ مسألة عمل الشركات الفرنسية في الأراضي المحتلة قضيتين: من جهة، هي «تتعامل مع محتل» مثل ملف الترامواي حيث شركة «فيوليا» «تستثمر أراضي فلسطينية مصادَرة من قوة الاحتلال»، وهو ما يخالف اتفاقية جنيف الرابعة. كذلك فإنها تسلط الضوء على «ملف المقاطعة».
وقد طرحت «الأخبار» سؤالاً على رئيس غرفة التجارة هيرفيه دوشاريت عن «مقاطعة إسرائيل»، فأجاب: «إننا ضد أي نوع من المقاطعة». بدوره، نبّه نائب الرئيس صالح بكر الطيار إلى أنّ «المقاطعة أُلغيت، وحتى الدول العربية لا تطبّقها».
بالطبع، يدعم هذا التوجه خطاب ساركوزي الذي يفصل بين السياسة والاقتصاد في تمرين أجاده أمام الوفود العربية والسفراء وكبار رجال الأعمال، وكأنه يقول لهم افعلوا ما تشاؤون، فالعرب لا يتحركون.
وفي الشق الاقتصادي، شدّد ساركوزي على ضرورة تعزيز المبادلات الاقتصادية بين الدول العربية وفرنسا. ورغم أن توجهات غرفة التجارة الفرنسية ــ العربية تعتمد على التبادل مع دول الخليج، وأن مصدر تمويلها هو بنسبة كبيرة من هذه الدول على حد اعتراف دوشاريت، إلا أن ساركوزي دعاها إلى تعزيز حضورها في أسواق المشرق العربي وزيادة حجم استثماراتها في المنطقة. وتُظهر الأرقام أن دول المغرب العربي، رغم غياب الاهتمام المباشر بها، تستحوذ على نسبة كبيرة من نسب التبادل التجاري مع فرنسا التي تتصدر المستثمرين، بعكس الأسواق المشرقية التي تحل في المرتبة الخامسة أو السادسة. وأوضح دوشاريت أن حجم المبادلات التجارية لفرنسا مع الدول العربية يبلغ ٥٠ مليار يورو، أي ١٥ في المئة من إجمالي تجارتها الخارجية.