نيويورك ـ نزار عبود خاص بالموقع- فشل مجلس الأمن الدولي، في ختام جلسة نقاش طويلة تحت عنوان «حماية المدنيين في زمن الحرب»، في إدانة التصعيد الشديد في استخدام الأسلحة الفتاكة والمتفجرات الشديدة في الأحياء المكتظة بالسكان، خلال الحروب.
لكنه، في العام الثالث من النقاش، أصدر بياناً رئاسياً يمنح المدنيين حقوقاً تشمل الاهتمام بمعاناتهم ومساعدتهم، وفرض احترام حقوقهم الإنسانية، من دون منحهم الحق في الحصول على التعويض عن الأضرار التي يلحقها المعتدي بهم.
وشدد المجلس، للمرة الأولى، على حق المدنيين المتضررين جرّاء النزاعات المسلحة، «بمن فيهم المدنيون الذين تلحق بهم الأضرار جرّاء أعمال غير مشروعة تحت القانون الدولي، في الحصول على مساعدة واهتمام خاص بكرامتهم الإنسانية كبشر».
وفشل المجلس كذلك في تأكيد حقّ النازحين في العودة من الخارج، واكتفى بالدعوة إلى تسهيل العودة الطوعية للمهجرين والمشردين داخلياً، وأدان من يمنع المساعدة عن المدنيين بالحصار دون تسميته.
وحمّل مجلس الأمن الدولي الحكومات، لا المنظمات المسلحة، «المسؤولية الأولى عن احترام حقوق الإنسان وصيانتها ضمن أراضيها، وفقاً للصلاحيات التي نصّ عليها القانون الدولي». وبذلك ألقى المسؤولية في الدرجة الثانية على المجموعات المسلحة في أي خرق يمكن أن يحدث في هذا المجال.
إلا أن المجلس اكتفى بالإعراب عن قلقه من الآثار الإنسانية الناجمة عن خوض المعارك في الأماكن المتكظة بالسكان، ودعا الأطراف إلى منح المدنيين حماية حسب القوانين الدولية الإنسانية المرعية.
وأدان خرق تلك القوانين بالعموم، داعياً إلى تطبيقها إلى جانب «كل قرارات مجلس الأمن الدولي». وشدد على ضرورة تحمّل الحكومات لمسؤولياتها في الاقتصاص من مرتكبي أشد الجرائم خطورة، ومحاكمتهم في المحاكم المدنية والدولية أو في المحاكم المختلطة وفي لجان التحقيق وفي قاعات المحاكم المتخصصة في المحاكم الوطنية.
وبالطبع لم يذكّر المجلس بحق الشعوب الواقعة تحت الاحتلال في الدفاع عن النفس والمقاومة وفق ميثاق الأمم المتحدة، بل «أقرّ احتياجات المدنيين الواقعين تحت احتلال أجنبي». وشدد على مسؤولية قوة الاحتلال بالالتزام التام بالقانون الإنساني الدولي، كما ورد في النص الذي قبلته الدول الـ15 الأعضاء، بما فيها لبنان.
وفي البيان فقرة تتعلق بإيصال المساعدة للمدنيين المتضررين من النزاعات المسلحة كواجب لا ينبغي أن يخضع للميول أو التمييز على أي أساس.
وفيه وردت إدانة لأي تكبيل لحرية حركة وصول الإعانات للمدنيين لأي سبب من الأسباب، في إشارة يمكن أن تفهم أنها موجهة لإسرائيل التي تفرض حصاراً على غزة منذ أكثر من أربعة أعوام وتمنع المعونات عن القطاع.
وركز المجلس بنوع خاص على أهمية ما وصفه «مواصلة المراقبة والتحليل الممنهجين للقيود المفروضة على حركة المساعدة الإنسانية».
والبيان جاء محصلة نقاشات تدور في المجلس منذ ثلاثة أعوام وبعد تقديم الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، تقريره الثالث عن الموضوع.
وكان بان قد قلل في تقريره من شأن المسؤولية التي تقع على عاتق الجيوش في إلحاق الأذى الشديد بالمدنيين، وحمّلها بدرجة أعلى للمنظمات والحركات، بما في ذلك حركات المقاومة للاحتلال.
واتهم بان في التقرير المنظمات المسلحة دون تمييز بـ«التخفي بين المدنيين واستخدامهم دروعاً بشرية».
ورأى أن الجماعات المسلحة تسعى «في كثير من الأحيان إلى التغلب على قصورها العسكري عن طريق استخدام استراتيجيات تنتهك القانون الدولي انتهاكاً صارخاً». ومن بين هذه الاستراتيجيات، وفقاً لبان، «الهجمات المتعمدة ضد المدنيين، بما في ذلك العنف الجنسي، والهجمات ضد أهداف مدنية مثل المدارس، والاختطاف، والتجنيد القسري، واستغلال المدنيين دروعاً لحماية الأهداف العسكرية».
وأضاف «تتعاظم المخاطر التي يتعرض لها المدنيون حينما تلجأ الأطراف المتفوقة عسكرياً في قتالها ضد عدو، غالباً ما يصعب تحديد هويته، إلى استخدام وسائل وأساليب في الحرب قد تنتهك مبدأ التمييز بين المقاتلين والمدنيين ومبدأ التناسب في القوى، ما يؤدي إلى وقوع المزيد من الخسائر في صفوف المدنيين».
وبذلك برر الأمين العام ضمناً للجيوش النظامية المهاجمة لحركات المقاومة وشعبها، معتبراً أن ردود الفعل على أعمال المنظمات المسلحة من قبل الجيوش نتيجة طبيعية.
من جهته، ذكّر وكيل الأمين العام لشؤون حفظ السلام، ألان لوروا، بعدم قدرة بعثات الأمم المتحدة على حماية المدنيين طيلة الوقت، «وخاصة إذا كانت القوات منتشرة فوق مساحات واسعة في أماكن النزاعات».
ونبّه أيضاً إلى أن قوات حفظ السلام «لا يجوز أن ينظر إليها كبديل لسلطة الدولة»، لكن بعثات حفظ السلام تستطيع المساعدة في تعزيز دور القوات الحكومية وتدريبها.
أما رئيسة المفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، نافي بيلاي، فرأت أن المهمة الرئيسية تكمن في منع الانتهاكات، «لكن عندما تفشل الوقاية، نتحمل جميعاً المسؤولية في الاقتصاص»، وخلصت إلى القول إن «المحاسبة ليست مطلوبة فقط من أجل تلبية الالتزامات القانونية الدولية، بل إنها أفضل أداة لدينا من أجل عدم تكرار الانتهاكات».