إيلي شلهوب
مخطئ كلّ من يصدّق بعدم فاعلية العقوبات الدولية والأميركية والأوروبية المفروضة على إيران، التي إن نجحت طهران في تجنب الكثير من تأثيراتها على المستويين الاقتصادي والمجتمعي، حتى الآن، فبفعل نوعين من الأدوات: الأول ليس سوى وسائل وأساليب للتحايل على تلك العقوبات، يجري العمل بموجبها منذ بداية الثورة، لكنها تعدّل وتطوّر باستمرار وفقاً للحاجة. أما النوع الثاني، فهو عبارة عن عملية لـ«ترشيق الاقتصاد» الذي أعلن المرشد علي خامنئي قبل أشهر أنه يجب أن يتحول إلى «اقتصاد مقاوم»، يقوم على ما يظهر على مبدأي الخصخصة ورفع الدعم.
وبحسب مصادر قريبة من أروقة صناعة القرار في إيران، فإن العمل جار نحو «خصخصة 85 في المئة من المرافق العامة، وفق نظام BOT، ومن بينها قطاعات النفط والغاز التي تتداول أسهمها في البورصة، على أن تلحق بها مصافي التكرير والصناعات البتروكيميائية، علماً بأن عملية بيع المرافق العامة للقطاع الخاص جارية منذ نحو 10 أعوام»، مشيرة إلى أن «أحد أبرز مشتري المرافق العامة ليس سوى الضمان الاجتماعي الذي يتمتع بفائض في ميزانيته خلافاً للحال في الكثير من دول العالم، وذلك بسبب التركيبة الديموغرافية للمجتمع الإيراني وعماده الشباب».
وسبق أن أعلنت طهران أنها تريد جمع نحو 12.5 مليار دولار من خصخصة 512 شركة خلال عامي 2010 ـــــ 2011، بما في ذلك مصفاتا بندر عباس وعبادان وشركتان لصناعة السيارات.
ومعروف أن القانون، الذي صدر عن مجلس الشورى في عام 2008 لخصخصة القطاع العام، يشمل مؤسسات عامة تراوح قيمة أصولها بين 110 و120 مليار دولار، وهي تضم، إضافة إلى الصناعات النفطية والبتروكيميائية والسيارات، المناجم والتجارة الخارجية والشركات التعاونية والطاقة والبريد والطرق والسكك الحديدية والنقل الجوي والبحري.
وفي ما يتعلق بالاتهامات التي تقول إن معظم المشاريع التي تخضع للخصخصة تذهب إلى حرس الثورة الذي يعدّ دولة داخل الدولة، بمعنى أن الخصخصة ليست سوى عملية تمويه لنقل ملكية المرافق إلى «القطاع العام غير الرسمي»، تقول المصادر نفسها «هذا غير صحيح. نعم، شركة خاتم الأنبياء الأضخم والأقدر على تنفيذ مشاريع، لكن هذا يعود إلى كون الحرس يمتلك مئات المعدات الثقلية التي تعود إلى أيام الحرب العراقية ـــــ الإيرانية». وتضيف «إن تورط الحرس في الشأن الاقتصادي يعود إلى أيام رئاسة علي أكبر هاشمي رفسنجاني الذي طلب من حرس الثورة علناً خوض عالم الأعمال لما لديه من كفاءات وخبرات ومعدات»، مشيرة إلى أن «الحرس لم يُكلف بصناعة الأسلحة لإرضاء قادته بل لتوفير النفقات، بما لا يجبر الدولة على تحمل أعباء ضخمة في هذا الأمر كما حصل في الاتحاد السوفياتي». وتستطرد «حتى المساجد لا تبنيها الدولة من الأموال العامة بل من أموال التبرعات الخاصة. وترى أن الإنفاق على بناء جامعة أفضل مئة مرة من بناء مسجد».
وبموازاة الخصخصة، هناك خطة رفع الدعم التي بدأ تنفيذها تدريجاً قبل أشهر على أن تُستكمل خلال خمس سنوات، والتي تبقى الأكثر فاعلية وخطورة في الوقت نفسه على النظام في إيران، حيث يُعتقد أنها سيف ذو حدّين، يمكن أن «يؤدي دور عامل استقرار ونمو وعدالة، كما يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات تتهدد الثورة برمتها إذا نُفّذت بنحو خاطئ».
وتقول المصادر «وصل القيمون إلى اقتناع بأن الدولة تتكلف مئة مليار دولار سنوياً (نحو ثلث الناتج المحلي) من أجل دعم مجموعة من السلع الاستهلاكية التي يستفيد منها الغني والفقير، بل إن أكثر من 70 في المئة من مخصصات الدعم تذهب إلى الطبقة المترفة التي تؤلّف ما يعادل 30 في المئة من المجتمع، وفي مقدمة هذه السلع البنزين والكهرباء». وتضيف «لذلك، ارتأت القيادة في إيران البحث عن بديل لهذا الدعم يلبّي حاجة الفقير من دون أن يهدره الغني، ويؤدي إلى توفير نحو 40 مليار دولار حدّاً أدنى»، فجاءت على النحو التالي: تقسيم المجتمع الإيراني إلى عشر فئات، من الأكثر فقراً للأكثر غنى، على أن يُفتح حساب لكل مواطن في المصرف، وتوضع مبالغ مالية في كل حساب بدلاً من الدعم الذي سيُرفع عن السلع في موعد لا تزال السلطات تتردد في تحديده، على أن يوزع بدل الدعم على نحو تنازلي: الحصة الأكبر للفئات الأكثر فقراً، إلى أن يصل إلى صفر عند الفئات الأكثر غنى.
كُلّف الحرس صناعة الأسلحة لتوفير النّفقات كي لا تتكرّر تجربة الاتّحاد السوفياتي
تفاصيل هذه الخطة لا تزال تخضع للنقاش في مجلس الشورى حيث لم تقرّ بعد. ومع ذلك، وضعت الدولة في حساب كل مواطن إيراني، بالتساوي، نحو 160 دولاراً عن شهرين (80 دولاراً عن كل شهر)، لا يمكن سحبها إلا عندما يُرفع الدعم فعلياً.ويشكو مواطنون إيرانيون من أن المبلغ الذي تدفعه الدولة لقاء رفع الدعم لن يغطي قيمة زيادة الأسعار والتضخم المتوقعين من تنفيذ هذه الخطوة.
ويترافق مع ذلك توزيع بطاقات على جميع المواطنين تتيح لهم شراء 60 ليتراً من البنزين شهرياً بالسعر المدعوم (أي 10 سنتات لكل ليتر). وأي استهلاك إضافي يشتريه المواطن بسعر مضاعف أربع مرات (40 سنتاً). وذلك في مرحلة أولى يفترض أن تنتهي بعد نحو شهرين يصبح بعدها البنزين كله غير مدعوم. وكانت الحصة المدعومة، التي يمكن شراؤها بالبطاقة، 120 ليتراً قبل نحو سنة، قد خفضت إلى 100 ثم 80 والآن 60 ليتراً.
وتقول المصادر نفسها إن «رفع السعر قلّص حجم الطلب الداخلي كما جعل تهريب هذه السلعة إلى خارج البلاد عالي المخاطر وقليل الفوائد، ما يعني ارتفاعاً في العرض. ومع التحسينات التي أدخلت على المصافي التسع في البلاد والتي زادت من إنتاجيتها، حققت إيران اكتفاءً ذاتياً من البنزين، وتخلصت الدولة من نحو ستة مليارات دولار كانت تدفعها سنوياً لدعم هذه المادة».
أما بالنسبة إلى الكهرباء، فجرى «التفريق بين الاستهلاك المنزلي والاستهلاك المنتج غير المدعوم. كما وُزّعت الفاتورة إلى أشطر تصاعدية، إذا قلّ الاستهلاك عن كمية معينة، لا تُستوفى الفاتورة أصلاً، وفي الشطر الثاني توزع قيمة الاستهلاك بين المواطن والدولة على أنه دعم تذكر قيمته على الفاتورة. ومع ارتفاع الاستهلاك عن حد معين، لا يُرفع الدعم فقط، بل يزيد سعر الكهرباء». وإضافة إلى الكهرباء والبنزين، تطاول خطة رفع الدعم الماء والديزل والكيروسين وزيت الوقود وغاز البترول والغاز الطبيعي.
وتشير المصادر إلى أن عملية «ترشيق الاقتصاد» طاولت العديد من الأمور الأخرى، مثل توفير في الطاقة عن طريق فرض الجدران المزدوجة والزجاج المزدوج في كل الأبنية الجديدة، «ما يعني تشغيلاً أقل للمكيفات في الصيف وأجهزة التدفئة في الشتاء، بما ينعكس توفيراً في استهلاك الطاقة». وهناك أيضاً «اقتصاد في استهلاك السكّر الذي كانت تشتريه الدولة للموظفين في الدوائر الحكومية. رأى (الرئيس محمود أحمدي) نجاد أن السكّر يؤذي الأسنان ويكلف الدولة أموالاً لا داعي لها، كما أنه لا يتناسب والتقاليد الإيرانية، فكانت تعليماته: عليكم بالفاكهة المجففة، التي باتت الدولة تشتريها من المزارعين الإيرانيين لتحلية المشروبات في الدوائر الحكومية، حيث بات على كل من يريد السكر أن يشتريه بنفسه».
وتشير تقارير الخبراء الاقتصاديين إلى أن معدل الراتب الشهري لشرائح واسعة من الشعب الإيراني يلامس حدود 500 دولار، فيما الحد الأدنى من المتطلبات الحياتية لأسرة مؤلفة من أربعة أفراد يفوق 1000 دولار شهرياً.
إلا أن مصادر مقيمة في طهران تؤكد أن مستوى المعيشة ليس واحداً في إيران كلها، بل حتى في العاصمة نفسها. وتقول «إن الأسعار في شمال طهران الغني، على سبيل المثال، ضعف مثيلاتها في الجنوب الفقير. كذلك الأمر بالنسبة إلى الفرق بين العاصمة والمحافظات حيث المعيشة تتكلف أقل من نصف ما تتكلفه في طهران، علماً أن غالبية الشعب الإيراني تقيم في المحافظات، ذلك أن إيران لم تشهد نزوحاً نحو المدينة على غرار ما حصل في بلدان أخرى». وتضيف «صحيح أن كل شيء متوافر في إيران، ولا يشعر المواطن بوجود مشكلة اقتصادية، لكن هذا لا ينطبق على كل الشعب، إذ لا شك في أن الفقراء منه يعانون، وهو الأمر الذي تسبب للرئيس نجاد بتلك الحملة التي شنها عليه الإصلاحيون والمحافظون على حد سواء على قاعدة فشل خطته الاقتصادية».
ولعل الأرقام الاقتصادية الصادرة من إيران الأكثر هي تعبيراً عما يجري: معدل النمو الاقتصادي السنوي ارتفع من 4.6 في المئة عام 2005 ليلامس الـ8 (7.8) في المئة في 2007، لينخفض إلى 1.03 في 2008 بفعل الأزمة الاقتصادي العالمية وتهاوي أسعار النفط، ويحافظ على المعدل نفسه تقريباً في العامين التاليين (1.05 في 2009 و1.5 في 2010) بفعل تشديد الحصار والعقوبات الدولية منها والأميركية والأوروبية. أما معدل التضخم فقد ارتفع من 10.4 في المئة في 2005، ليتجاوز الـ 25 في المئة في 2008 قبل أن يعود وينخفض إلى مستوى الـ10.8 في المئة في 2009 و9.5 في المئة في 2010.
حراك برلمانيّ ضدّ نجاد
تشير المعلومات الواردة من إيران إلى حراك برلماني قوامه 41 عضواً برلمانياً محسوبين على الخط المحافظ «المعتدل» الذي يمثّله رئيس البرلمان علي لاريجاني، يستهدف توقيع عريضة اتهام للرئيس محمود أحمدي نجاد، موجهة إلى المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي، مستندة إلى السياسة الاقتصادية للحكومة ورفع الدعم عن السلع الاستهلاكية. وقال رئيس لجنة الموازنة في البرلمان، موسى رضا سرفاتي، إن العريضة تحتاج الى 74 توقيعاً من أجل المباشرة بجلسة نيابية لمحاسبة نجاد. لكن النائب الياس ناديران المحافظ، قال لمحطة «جام جام» التلفزيونية الحكومية «لم أوقع هذه الرسالة ولا أعرف شيئاً عنها». وتشير التقارير الى أن العقوبات الاقتصادية وضعت الحكومة الايرانية تحت ضغوط هائلة، الأمر الذي عمّق الشروخات بين النخب السياسية خلال السنوات الخمس الأخيرة.
(الأخبار)