بشير البكرليس ثمة رئيس غربي يعشق «الميديا» أكثر من الفرنسي نيكولا ساركوزي، أو هكذا يبدو للمراقبين. حتى الصحافة تُبادله هذا العشق وتسايره إلى مستوى أبعد. أدرك الرجل أن الإعلام له سطوة لا تُقدَّر أهميّتها، ومن هنا اشتغل عليه ونسج معه علاقات تثير الريبة أحياناً، منذ كان نائباً في البرلمان، ثم ترقّى حتى وصل إلى سدّة الإليزيه. غالباً ما يُحاط بصحافيين أوفياء، يقرّبهم إليه، فيكتبون عنه ما يعجبه، في عملية أشبه بلعبة «خذ وهات».
لكن الذي يُكثِرُ من الحديث إلى الصحافة، وهو مكان فيه الكثير من المنزلقات، قد يخطئ أحياناً، والمثل يقول إنّ «غلطة الشاطر بألف». ولعل قوة ساركوزي لا تكمُن فقط في الجواب والارتجال وفي استخدامه «الشعبوية» وما يروق الفرنسيّين سماعه، من أجل إهانة الآخر حيناً وإضحاك الآخرين عليه حيناً آخر، بل تتعداها إلى عشقه للتصريحات التي يتصور أنها بمنأى عن الكاميرات والميكرو.
لكنّ الخطر أو الحرج يأتي من هنا. فقد أشارت صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية أخيراً، في 24 تشرين الثاني الجاري تحديداً، إلى هذا الموضوع، وعنونت موضوعها المركزي: «ساركوزي، اعترافات إلى حد الإسراف!»
تقرير تناولت فيه جردة لكثير من المغامرات الكلامية لساركوزي، التي شغلت الرأي العام، وجعلته يُشغَل بها خلال بعض الوقت. وبحسب الصحيفة، فإنّ الحديث البعيد عن «الميكرو» يثير جذل الصحافيين الحاضرين، الذين يُقدّمونه بهذه الصيغة التي لا تحرج الرئيس: «الإليزيه يؤكّد أن...».
ومن بين المغامرات «الطريفة» التي توردها الصحيفة، والتي انتشرت في المواقع الإلكترونية كالنار في الهشيم، الردّ القاسي الذي وجّهه الرئيس الفرنسي إلى رجل أبى مصافحته، في معرض باريس للزراعة، بدعوى أنه غير نظيف: «أغرب عن وجهي أيها الغبي!».
وفي إحدى المرات، سمع كلاماً نابياً صادراً من مكان ما، فيه صيادون غاضبون على رفع ثمن البنزين، فاتجه إلى أحدهم وتحدّاه بالنزول إليه: «أنت من تلفّظ بالعبارة، حسناً، انزل!».
أخيراً وليس آخراً، تورد الصحيفة ما سبق أن أوردته مصادر صحافية (موقع «ميديا بارت» وموقع مجلة «ليكسبريس») عن جملة «بائسة» تفوّه بها الرئيس ساركوزي بحق أحد الصحافيين، في لشبونة، كان يسأله عمّا بات يعرف بقضية «كراتشي»: «... كنت سعيداً برؤيتكم يا أصدقائي الشاذّين (الذين لديهم انجذاب نحو القاصرين pedophiles)، أراكم في الغد».
ويشدّد مدير «ليبراسيون»، لوران جوفران، على وجوب تناول الكلمة «المثيرة» في معناها المجازي، لا في معناها الاتهامي المباشر. ويرى فيها اتهاماً عنيفاً ضد الصحافيين الذين يطرحون الأسئلة «المُحرِجة». ولعل جوفران صادقٌ في ما يقوله عن الرئيس ساركوزي، فقد اكتوى في السابق بنيرانه وتهجماته، حين خاطبه الرئيس في ندوة صحافية: (اسمح لي، يا سيد جوفران، إن للكلمات مَعاني!)، وهو ما دفع الصحافي المذكور إلى تأليف كتاب مشوّق عن الأمر «الملك عارياً».
وعلى كل حال، لن يكون هذا الانزلاق الساركوزي هو الأخير، لقد أصبح ديدنه، ولن يتخلى عنه، وخصوصاً إذا كان يرى أن الأمر قد يجلب له بعض الفوائد. «كل شيء من أجل المعركة!» أو تقريباً!.