يوم «مجنون» أوقف الإكوادور على حافة الهاوية، فالشرطة تهاجم الرئيس، رافائيل كوريا، وتحتجزه في مستشفى لإجباره على سحب قانون يحد من امتيازاتها قبل أن تفرج عنه فرقة عسكرية خاصة
بول الأشقر
الرئيس الإكوادوري رافائيل كوريا يفكر في اللجوء إلى «الموت المتقاطع»، بهذه الكلمات يمكن وصف الصيغة الدستورية التي تخوّل حل المجلس والرئاسة معاً، والدعوة إلى انتخابات عامة في الإكوادور. فالرئيس عاتب على كتلته التي أدخلت تعديلات على مشروع قانون إعادة تنظيم القطاع العام التقشفي، الذي ينص مثلاً على قطع عدد من مكتسبات الشرطة والجيش المالية، ويطوّل مدة الترقي الآلي من 4 إلى 7 سنوات.
صباح أول من أمس، استيقظت الإكوادور، وقد انسحبت الشرطة من الشوارع في أكبر مدن العاصمة غوياكيل، حيث أفادت الأخبار أن فرقة من سلاح الجو متضامنة مع التحرك، احتلت مدرج المطار.
وفي موازاة ذلك، أقفلت المصارف والمتاجر والمدارج أبوابها بسرعة تحسّباً لأعمال عنف، وحوادث نهب قد تقع في العاصمة كيتو وفي غوياكيل.
كوريا قلّل من الاحتقان الناتج من الانكماش الاقتصادي وتجاهل هشاشة التركيبة في البلاد
في هذا الأثناء، توجه كوريا إلى ثكنة الشرطة في العاصمة وحاول عبثاً مخاطبة المتمردين الذين يردّون عليه بالشتائم وبرمي زجاجات من البلاستيك الفارغة، وفجأةً انفجر الرئيس، قائلاً «إذا كنتم تريدون اغتيال الرئيس فتفضلوا... أنا موجود بينكم».
انسحب كوريا، الذي يتنقّل بواسطة عكّاز بسبب عملية في ركبته، ورميت عليه قنبلة مسيّلة للدموع تفرض نقله إلى مستشفى الشرطة. وفي أول إطلالة، قال «إنّ ما حصل محاولة انقلابية قام بها من يعجز عن الوصول إلى السلطة بالانتخاب»، في إشارة إلى لوسيو غوتيريز، العسكري السابق الذي أقال الرئيس جميل معوض عام 2000 ثم اعتقل قبل أن ينتخب رئيساً عام 2002 ويقيله المجلس عام 2004.
بعد ذلك، أعلن كوريا حال الطوارئ لمدة خمسة أيام وأوكل إلى الجيش الحفاظ على الأمن. وأضاف «أشعر بأنني مُحتجَز وأخشى على حياتي»، وتمسك بمشروع القانون قائلاً للمتمردين، وقد استقبل ثلاثة وفود منهم، «لا تضيعوا وقتكم معي.. سأخرج من هنا رئيساً مرفوع الرأس أو جثة هامدة». وتوجّه أنصاره بالآلاف إلى المستشفى، لكنّ المتمردين على الدراجات النارية فرّقوهم بالقنابل المسيلة للدموع.
وفي التحرك العالمي، أقفلت جارتا الإكوادور البيرو وكولومبيا الحدود، بينما استنكرت منظمة الدول الأميركية ومسؤولو إسبانيا وفرنسا والدول الغربية ما حصل. أما منظمة «أوناسور»، فدعت رؤساء أميركا الجنوبية ليلاً لعقد قمة طارئة في الأرجنتين. وأمام عناد المتمردين، وبعد مرور أكثر من 10 ساعات، بدأت عملية الإفراج. ودهم المئات من القوات الخاصة مدعومين بعناصر من الجيش المستشفى، وسط إطلاق نار غزير استمر نحو نصف ساعة، وأوقع قتيلين وعشرات الجرحى فيما خرج الرئيس من مرأب المستشفى في سيارة مصفحة توجهت إلى القصر الجمهوري، حيث كان ينتظره أنصاره بالآلاف وكبار مسؤولي الدولة. خطب كوريا من شرفة القصر الجمهوري، مؤكداً أنه ستطّهر الشرطة «من دون تسامح ولا نسيان». لحظة وصول كوريا إلى القصر الجمهوري، بدأ اجتماع «أوناسور»، الذي رحب بالخاتمة السعيدة، وقرر إرسال وزراء خارجية الدول الأعضاء لزيارة كوريا في كيتو.
في هذه الأثناء، قدّم قائد الشرطة استقالته بعد يوم مجنون أوصل الإكوادور إلى حافة الهاوية. فبعد أحداث هندوراس، كانت، ولا تزال، هناك خشية في القارة، من أن يحدث شيء شبيه له في الباراغوي، فأتت الضربة من الإكوادور. ما حصل ليس انقلاباً بالمعنى الدقيق بقدر ما هو تمرد مطلبي من الشرطة، كادت تفاعلاته أن تحوله إلى كارثة. على الأقل، هذه المرة مالت الأمور لمصلحة الشرعية المنتخبة.
وإذا كان من المسلّم به أن المعارضة حرّضت عناصر الشرطة، فمن الأكيد أيضاً أن الرئيس كوريا، الذي يمارس التفرد في السلطة، قلّل من الاحتقان الناتج عن الانكماش الاقتصادي، وتجاهل هشاشة التركيبة التي كادت أن تحوّل «مطلباً فئوياً وعادياً» إلى شبه انقلاب عسكري.