وعد الرئيس الأميركي الحالي ناخبيه خلال حملته الانتخابية بتحسين شروط قوانين مكافحة الإرهاب، وتحديداً «قانون الوطنية». لكن بعد عشرين شهراً على وصوله إلى البيت الأبيض يعزّز باراك أوباما القوانين والممارسات التي ورثها عن سلفه جورج بوش. وقد اقترح أخيراً على الكونغرس تعديل أحد القوانين لتمكين القوى الأمنية من التجسس بطريقة أفضل على المواطنين إلكترونياً
ديما شريف
قبل أن تنتهي ولاية أعضائه في الثاني من تشرين الثاني المقبل، على جدول أعمال الكونغرس الأميركي عمل آخر صغير يجب إنجازه. فهو سيناقش اقتراحاً من الرئيس الأميركي باراك أوباما لتعديل قانون «خصوصية التواصل الإلكتروني» لمكافحة الإرهاب. أربع كلمات فقط هي ما يجب على الكونغرس إضافتها إلى نص الفقرة 2709 من القانون: «سجلات معاملات التواصل الإلكتروني». أربع كلمات ستسمح لـ«مكتب التحقيق الفدرالي» بأن يحصل على سجلات عناوين مستخدمي البريد الإلكتروني، وتلك الخاصة بمتلقّي رسائلهم، وعدد المرات التي أرسل وتلقّى فيها شخص معين رسائل إلكترونية، والمواقع التي يستخدمها. كلّ هذا سيحصل دون أن يضطر عناصر المكتب إلى أخذ موافقة قاض، كما تجري الأمور حالياً. أي سيصبح بمقدور أي موظف في «إف. بي. آي»، يملك تصريحاً أمنياً، الطلب من شركات تشغيل الخوادم الإلكترونية أيّ معلومات يريدها عن مستخدم الشبكة العنكبوتية، بذريعة حماية الولايات المتحدة من خطر إرهابي.
يقول المدافعون عن المشروع إنّ القانون بعد تعديله لن يسمح بالحصول على مضمون أي رسالة إلكترونية، أو أي وسيلة اتصال أخرى تجري عبر الشبكة العنكبوتية. ويحاول هؤلاء تفسير التعديل بأنّه «توضيح لنص قانوني مبهم لكيفية استخدام رسائل الأمن القومي». (رسائل الأمن القومي هي المذكرات التي ترسلها الأجهزة التي تعمل على موضوع الأمن القومي إلى المدنيين للمعلومات، وتعرف باختصار NSL، وقد وصل عددها بين 2003 و2006 إلى 192500).
لكن هذا لم يقنع المحامين العاملين مع شركات المعلوماتية، وتلك التي تزود الأفراد خدمات الإنترنت، ولم يستطع كبح غضب المدافعين عن الخصوصية الفردية. هؤلاء يرون أنّ التعديل المرتقب سيكون توسيعاً لصلاحيات الحكومة وأجهزتها في التجسس على المواطنين. وأكثر ما يزعج منظمات حقوق الإنسان هو الابتعاد التدريجي، الذي يفضحه هذا التعديل، عن الوعود التي أطلقها أوباما في خلال حملته الانتخابية عن تحسين وضع الحقوق المدنية في ما يتعلق بقضايا الأمن القومي، وهو مطلب متكرر من جانب الفاعلين في هذا المجال، الذين يعترضون على ما آلت إليه الحريات منذ 11 أيلول 2001.
«اقتراح وقح»، هي الصفة التي أطلقتها المستشارة التشريعية لـ«اتحاد الحريات المدنية الأميركية» ميشيل ريتشاردسون على التعديل المرتقب. وقالت، لصحيفة «واشنطن بوست»، إنّ ما يجعل التعديل وقحاً هو أنّ الحكومة تحصل اليوم على كمية كبيرة جداً من المعلومات الإلكترونية.
ونقلت مجلة «ذا أميركان بروسبكت» عن منظمة «إلكترونيك فرونتير» اعتبارها ما يحصل مساً بالتعديل الأول للدستور الأميركي، المتعلق بحرية الرأي والتعبير. وقال كيفين بانكستون، وهو أحد المحامين الذين يعملون مع المنظمة، إنّ القلق يتأتّى من التمادي في الطلبات بموجب رسائل الأمن القومي، إذ لا شيء يمكن أن يمنع الـ«إف. بي. آي» من الاطّلاع على الملفات التي يحمّلها الشخص المستهدف، أو الكلمات التي يبحث عنها، وخصوصاً في ظل عدم تحديد تعريف واضح لعبارة «سجلات معاملات التواصل الإلكتروني» وما يدخل ضمنها.
وتساءلت المجلة كيف ستحترم إدارة أوباما خصوصية الناس في حال زيادة صلاحيات الأجهزة الأمنية، في الوقت الذي تتسع فيه الحياة الإلكترونية للإنسان الذي «يغازل، يتسوّق، يقرأ ويتحادث على الشبكة الإلكترونية تاركاً آثاراً وراءه».
في المقابل، طلبت افتتاحية صحيفة «نيويورك تايمز» تفسيراً عن الوعود التي أطلقها أوباما أثناء حملته في 2008 عن «المراقبة القوية» التي ستطاول رسائل الأمن القومي، التحريات والشهود، وإعادة النظر في قانون الوطنية. وذكرت الصحيفة كيف جددت الإدارة الحالية بداية السنة العمل بقانون الوطنية لعام آخر من دون التدقيق فيه.
ويبدو أنّ إدارة أوباما تعتقد أنّها تتعاطى بذكاء مع موضوع المراقبة الإلكترونية. إذ بعد الانتهاء من تعديل قانون «خصوصية التواصل الإلكتروني» مع الكونغرس الحالي، ستطرح الإدارة، على الكونغرس الجديد الذي سينتخب، مشروع قانون تنصت إلكتروني جديد لإقراره بداية 2011.
هكذا، تظن الإدارة، أنّها تقي نفسها شر منظمات حقوق الإنسان عبر طرح كلّ مشروع على حدة، واستيعاب الغضب الشعبي تجاهه. والمشروع الجديد يقوم على تحديد خطوات وتقنيات تتيح لوكالات الاستخبارات المتعددة، وخصوصاً تلك المعنية بالأمن القومي، التنصت على الناس الذين يستخدمون وسائل إلكترونية مشفرة.
سيصبح بمقدور أي موظف في «إف بي آي» طلب معلومات بذريعة حماية الولايات المتحدة من خطر إرهابي
وتريد الإدارة من الكونغرس أن يوافق على إجبار الشركات المسؤولة عن التواصل الإلكتروني المشفر (بلاكبيري، فايسبوك، سكايبي) على أن تكون قادرة، تكنولوجياً، على الامتثال لطلبات التنصت إذا طلبتها القوى الأمنية. فوسائل الاتصال هذه، على خلاف الخطوط الهاتفية، لا يمكن التجسس عليها إلا بتقنيات معينة غير منتشرة اليوم. ومن هنا سعي الإدارة إلى محاولة إجبار الشركات المشغّلة لهذه الخدمات على تطوير تقنيات تسمح بذلك. ورأى نائب رئيس «مركز الديموقراطية والتكنولوجيا»، جيمس دمبسي، أنّ هذا الاقتراح له نتائج كبيرة تؤثر في «مبادئ أساسية في ثورة الإنترنت».
وفي رأيه، فإنّ السلطات تطلب من الشركات أن تعيد تصميم مبدأ الإنترنت القائم على اللامركزية، ليصبح شبيهاً بنظام الاتصالات الهاتفية، لتسهيل مهمة التنصت.
وبعدما كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» الموضوع يوم الاثنين في 27 أيلول، دافعت المستشارة العامة لمكتب التحقيقات الفدرالية فاليري كابروني عن مشروع القانون بأنّه «اعتراض اتصالات مسموح به قانونياً». وأضافت إنّ المكتب لا يريد توسيع صلاحيته بل الحفاظ على قدرته على ممارسة مهمّاته الحالية لحماية «الأمن العام والوطني».
ودافع المكتب عن مشروعه، كالعادة، متذرعاً بقضايا الأمن القومي، فأعلن أحد عناصره للصحيفة أنّه كان يمكن معرفة نية فيصل شهزاد بمحاولة تفجير قنبلة في ساحة «تايمز سكوير» في نيويورك في أيار الماضي مسبّقاً، لو كان المكتب يستطيع التنصت على وسائل الاتصالات المشفّرة التي استخدمها المتهم. كما أنّه، وفقاً للعنصر نفسه، تأخرت القوى الأمنية عن القبض على تاجر ومهرب مخدرات مهم جداً لأنّه يستعمل جهازاً شبيهاً بالبلاكبيري.
وتتمحور الاقتراحات الأبرز في المشروع حول نقاط ثلاث: أولاً يجب أن يكون لكل التقنيات المشفرة تقنيات مقابلة تفك التشفير. ثانياً على كلّ شركة غير أميركية تقدّم خدمات مشفرة داخل الولايات المتحدة (المقصود بهذا البند شركة «ريسيرتش إن موشن» المشغلة لخدمة بلاكبيري) فتح مكتب داخل البلاد ليساعد على رصد الاتصالات والرسائل المشفرة. وثالثاً يجب على العلماء، الذين يطوّرون البرامج التي تسمح بالتواصل المباشر بين شخصين من دون وسيط، إعادة تصميم اختراعاتهم للسماح بالتنصت.
إذاً، ستجبر الإدارة الشركات على تسهيل عملية التنصت دون أن تطوّر هي التقنيات اللازمة لذلك.
كلّ هذا يفتح السجال أمام الاختلاف الفعلي بين أوباما وسلفه، جورج بوش الابن، في ما يتعلق بمكافحة الإرهاب. هل فعلاً استطاع أوباما خلال عشرين شهراً في البيت الأبيض تحسين وضع حقوق الإنسان المرتبطة بقضية الإرهاب في أميركا وحول العالم؟ أم أنّ أوباما خذل مناصريه في هذا الملف الحساس المرتبط بحروب واشنطن حول العالم؟
يرى المدافعون عن أوباما أنّه ورث تركة ثقيلة من سلفه في موضوع مكافحة الإرهاب وحقوق الإنسان، وهو يحاول قدر الإمكان تحسينها، لكن الوضع لا يقتصر على ما «اخترعه» بوش ويلزم أوباما سنوات للتخلص منه، بل على ما استُحدث من ممارسات في عهد الرئيس الحالي.
فأهم إنجازات أوباما على صعيد مكافحة الإرهاب هو الطائرات من دون طيار. بدأ استخدام هذه الطائرات بكثافة في العراق قبل وصول أوباما إلى البيت الأبيض، لكنّه كان المسؤول عن توسيع نطاق عملها ليشمل الدول التي لا حرب بينها وبين واشنطن. فإلى جانب العراق وأفغانستان، توسّع نطاق الاغتيالات التي تنفذها هذه الطائرات ليشمل اليمن وباكستان. وأسهمت هذه الطائرات إسهاماً كبيراً في زيادة الضحايا المدنيين أينما حلّت، لأنّها في مرات عدّة «أخطأت» فقتلت أطفالاً عوضاً عن مقاتلي «طالبان» و«القاعدة».
وما يزيد من ورطة أوباما أنّ مشغلي هذه الطائرات، انطلاقاً من ولاية فيرجينيا، هم مدنيون متعاقدون من القطاع الخاص، يعملون مع وكالة الاستخبارات المركزية «سي. آي. إيه». أي يمكن بكلّ بساطة لأي شخص تضرر من عمل هذه الطائرات رفع دعوى عليهم لارتكابهم جرائم حرب، لأنّهم يقتلون من دون أن يكونوا مرتدين بزّات عسكرية. وربما هذا ما دفع إدارة أوباما إلى تغيير التهم الموجهة إلى عمر خضر، المسجون في غوانتنامو، والمتهم بإلقاء قنبلة يدوية على جندي أميركي في أفغانستان في 2002، حين كان في الخامسة عشرة من عمره. فهو كان سيُتهم بالمحاربة من خارج جيش نظامي، أي قيامه بجريمة حرب، إلى جانب محاولة قتل الجندي الأميركي. لكن، قبل موعد الجلسة في 10 آب الماضي، ألغيت التهمة الأولى، كي لا تفتح واشنطن على نفسها أبواب المئات من الدعاوى القضائية.
أهم إنجازات أوباما هو الطائرات من دون طيار التي تقتل مدنيين أكثر من إرهابيين
إلى جانب ذلك، تستمر إدارة اوباما في تشغيل سجن غوانتنامو، وسيبقى معظم السجناء المئتين فيه من دون محاكمة لكونهم أسرى حرب. صفة لن تزول إلا بانتهاء «الحرب» بين أميركا والقاعدة. وتلوم الإدارة الكونغرس بشأن عرقلة نقل السجناء إلى مبانٍ على الأراضي الأميركية، رغم سيطرة الحزب الديموقراطي، منذ وصول أوباما حتى اليوم، على مجلسي النواب والشيوخ، ما يمكّنه من الحصول على غالبية مريحة في أي اقتراح. كما لم تتوقف المراقبة السرية، وما تغيّر أنّها تجري بموافقة الكونغرس اليوم، الذي لا يرفض أي طلب منها.
ورغم أنّ أوباما أصدر أمراً بإغلاق السجون السرية الخاصة بأجهزة الاستخبارات حول العالم، يشكك البعض في حدوث ذلك. إذ لا أحد يمكنه التأكّد فعلياً من تنفيذ هذا الأمر، حتى لو كان يملك تصريحاً أمنياً عالياً.
وأهم ما استمر في عهد أوباما هو عمليات الترحيل القسري التي تقوم بها وكالة الاستخبارات المركزية «سي آي إيه». فهي كانت تعتقل مشتبهاً فيهم بالإرهاب، وعوضاً عن تسليمهم إلى الدول التي يعتقلون على أرضها، أو ترحيلهم إلى الولايات المتحدة، ينقلون قسراً إلى دول يُسمح فيها بالتعذيب حيث يخضعون لأقسى أنواعه.
كذلك فإنّ «مكافحة الإرهاب» دفعت مكتب التحقيقات الفدرالي إلى محاولة تجنيد شبان مسلمين لنقل ما يحدث داخل المساجد. وهذا ما أسرّ به إمام مسجد في مدينة ديترويت في ولاية ميتشيغان ستيف مصطفى الترك للصحافية فاليري سامسون من صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية في آب الماضي. فهي كانت تقوم بجولة لتكتب عن وضع المسلمين في أميركا، بعد تسع سنوات على أحداث 11 أيلول، عندما أخبرها الترك أنّ عناصر الـ«إف بي آي» طلبوا من شاب مسلم يصلي في مسجده التجسس لمصلحتهم، بعدما وقع في متاعب مع القوى الأمنية. إذاً في عهد أوباما تجند القوى الأمنية مرتكبي الجنح، ومن يعانون متاعب مع سلطات الهجرة، وتغريهم بتسهيل وضعهم وتخليصهم من متاعبهم مقابل العمل لمصلحتها. كلّ هذا يحصل باسم «حماية الأمن القومي».
قد يكون أوباما يحاول التخلص من تركة بوش البشعة، لكن لا يبدو في الفترة الأخيرة أنّ إدارته تقوم بالجهد الكافي لذلك، أو أنّه فقد السيطرة عليها، فالقوانين تتوالى لتحد من حرية الأميركيين في بلد يحاول فيه مواطنوه أن يقتنعوا بأنّه لا يزال «منارة الحرية في العالم».


ممارسات «بشعة»

رفضت محكمة الاستئناف في الدائرة التاسعة الأميركية بداية أيلول الماضي القضية التي رفعها «اتحاد الحريات المدنية الأميركية» بالوكالة عن خمسة ممن عانوا الترحيل والتعذيب بحجة كشف معلومات حكومية سرية. واعتُقل هؤلاء ورحّلوا قسرياً وعُذبوا على يد عملاء ومتعاقدي وكالة الاستخبارات المركزية، «سي آي إيه».
وانهالت الانتقادات من الليبراليين والمحافظين على الإدارة الأميركية مباشرةً، باعتبار أنّها هيأت المناخ السياسي كي تتخذ المحكمة هذا القرار عبر تأثير وزارة العدل على قرار القضاة. فقالت صحيفة «نيويورك تايمز» إنّ القرار يضيع الفرصة بالتخلص من «هذه الممارسة البشعة التي هي انتهاك للقانون الدولي». وتساءلت أبرز مدونة محافظة «HOT AIR» لماذا بقيت سياسة الترحيل القسري إذا كان أوباما، كما يدّعي، ضدها، ويريد أن يصحح أخطاء عهد سلفه جورج بوش الابن. وطلبت من أوباما، إذا كان فعلاً قلقاً على حقوق الناس أن يلغي هذه الممارسة، ويفرض شروطاً للتحقيق لا تنتهك حقوق الأشخاص وحرياتهم.