فيما يُشغل بعض سكان الكوكب بعام 2012 ونبوءة المايا بنهاية العالم، يبدو الاهتمام الروسي بهذا التاريخ مختلفاً، إذ إنه سيحدّد هويّة سيّد الكرملين الجديد
موسكو ــ حبيب فوعاني
أثار إعلان الكرملين الاستعراضي إيقاف تزويد إيران بمنظومة الدفاع الجوي الصاروخية «إس ـــــ300» وتشديد العقوبات على الجمهورية الإسلامية، وكذلك إقالة محافظ موسكو يوري لوجكوف «لفقده ثقة الرئيس»، تساؤلات كثيرة عن وجود خلافات بين ركني الثنائي الحاكم الروسي، الرئيس دميتري مدفيديف ورئيس الوزراء فلاديمير بوتين، حول قضايا روسيا الداخلية والخارجية.
وقد تألّف الثنائي عام 2008، عندما أصر بوتين على الالتزام بالدستور الروسي، الذي يمنع الترشح للرئاسة ثلاث فترات متتالية. لكن بوتين، الذي لم يشأ التقاعد والتخلي عن نفوذه السياسي، شغل منصب رئيس الوزراء وأصبح رئيساً للحزب الحاكم، «روسيا الموحدة»، وبالتالي زعيماً قومياً، فيما أصبح مدفيديف رئيساً للبلاد.
ومنذ ذلك العام عمل الثنائي بنجاح كافٍ، حيث ربح الحرب الخاطفة على جورجيا، وصمد أمام المواجهة المتصاعدة مع الولايات المتحدة وأوروبا، والأزمة الاقتصادية العالمية.
وعلى صعيد الداخل جرى توسيع الهامش الظاهري لحرية النقاشات السياسية. وأعجبت صورة الزعيم الشاب والليبرالي مدفيديف الجيل الجديد، وكذلك إدانته للفساد والبيروقراطية والاستهتار بالقوانين، وتركيزه على هوايته المفضلة، التحديث. وعلى الصعيد الدولي أدّى مدفيديف دوره، مسهّلاً على باراك أوباما مهمة «إعادة تشغيل» العلاقات مع روسيا، بل إن الإدارة الأميركية تعرب بوضوح عن تفضيلها التعامل مع مدفيديف على بوتين، وتمتدح «مزاياه القيادية».
وفي الوقت نفسه، فإن بقاء بوتين في السلطة يمنح فئات المجتمع الروسي المحافظة الثقة بأن مبادرات الرئيس الشاب لن تخرج عن السيطرة، كما حدث قبل عقدين مع «بيرسترويكا» ميخائيل غورباتشوف، التي أدّت إلى انهيار الاتحاد السوفياتي.
ومع اقتراب عام 2012 تثار التساؤلات بشأن من سيصبح سيد الكرملين بعد عامين؟ بوتين أم مدفيديف؟ كلاهما صرح غير مرة بأنهما سيتشاوران قبل إعلان قرارهما بخصوص ترشيح أحدهما. وأوضح مدفيديف أكثر من مرة أنه لن يدخل في منافسة مع بوتين. وبغضّ النظر عن التأكيدات المنتشرة في الكواليس السياسية عن قرار اتُّخذ منذ وقت بعيد بعودة بوتين على حصان أبيض إلى الكرملين، فإن «المصادر المطلعة» تروّج الشائعات المتناقضة لإضفاء جوّ من الغموض واللبس على المرحلة المقبلة، لكي يخيم التوتر على ممثلي النخبة ويُفقدهم الشعور بالثقة في شأن المستقبل، وهو ما يعني زيادة جبروت كل من بوتين ومدفيديف على حدة، والثنائي الحاكم عموماً.
لذلك بالذات، يبدو أنه لن يصدر قرار الترشيح ولن يعلن قبل مطلع 2012. لكن ذلك لن بكون إلا بعد لعبة معقدة، ستدور بين جناحي النخبة الليبرالي والمحافظ، بين الذين يريدون الحفاظ على روسيا دولةً عظمى ولو في مجال الطاقة، والذين يريدون السير في ركاب الغرب. وبالطبع سيسعى بوتين إلى إقامة التوازن بين مصالح المجموعات المتنافسة، مع الأخذ بالحسبان المشكلات الاقتصادية التي ستبرز أمام روسيا في الفترة القليلة المقبلة.
أما الآن، فإن مدفيديف يعرض صورة الزعيم القوي والنافع والضروري لنجاح الثنائي، ولإقناع بوتين وممثلي النخبة باستحقاقه فترة رئاسة ثانية، وذلك بطرده محافظ موسكو النافذ، وبالعدول عن تزويد إيران بمنظومة الدفاع الجوي الصاروخي «إس ـــــ300» رغم عدم شمول العقوبات الدولية لها، وبفرض عقوبات على طهران أشد من العقوبات الدولية، وبالتالي السعي إلى ضمان تصديق الكونغرس على اتفاقية «ستارت» الجديدة مع واشنطن، وانضمام روسيا إلى منظمة التجارة العالمية، وتأمين تدفّق ملحوظ للاستثمارات من الغرب إلى روسيا لبرنامجه التحديثي.
الأمر إذاً لا يتعلق بوجود خلافات بين ركني الثنائي بقدر ما هو اختلاف في الأدوار. لكن من سيكون الرئيس الروسي عام 2012؟
يرى الخبراء أن الأمر بيد بوتين، الذي ستضمن عودته بقاء روسيا دولة عظمى، بغضّ النظر عن موقف الغرب منها، فيما إعادة انتخاب مدفيديف تهدد ببروز غورباتشوف روسي آخر.