«بطل أميركي» أنقذ نوري المالكي واعتاد منصب الرجل الثاني أرنست خوري
شهد العالم، في الأشهر القليلة الماضية، حفلة تشكيلات عسكرية حسّاسة وواسعة النطاق في صفوف الجيش الأميركي، منها ما كان طارئاً (استقالة ستانلي ماكريستال من قيادة قوات التحالف الأطلسي في أفغانستان، وتعيين دايفيد بيترايوس مكانه)، والآخر روتينياً. قيادة المنطقة الوسطى باتت بيد جايمس ماتيس، أمّا دفّة العراق، فأصبحت منوطة بالجنرال لويد أوستن، الوافد حديثاً بدل ريمون أوديرنو.
لويد أوستن (57 عاماً قضى 34 منها في السلك العسكري)، اسم ليس معروفاً إلا للمطّلعين عن كثب على قضايا البيت الأميركي. عملية العثور على معلومات عنه ليست سهلة، وخصوصاً أنّ الصفحة الخاصة به على الموقع الرسمي لرئاسة الأركان المشتركة للجيش الأميركي (الذي تولّى نيابة رئاستها) غير متوافرة حالياً، ربما لتحديث محتوياتها، بعدما أصبح صاحبها أقوى رجل أجنبي مقيم على الأراضي العراقية.
الصحف الأميركية والمواقع الإلكترونية لمراكز الأبحاث، تُجمع على وصف الرجل بـ«الجنرال الصامت». توغل في مزيد من البحث، فتجد من ينتقده هنا (نيويورك تايمز)، ومن يرى فيه «بطلاً أميركياً يجب التعرف إليه» (معهد بروكينغز).
تنبع شهرته من كونه الضابط الأميركي الأبرز حالياً من ناحية تنفيذ المهمات العسكرية، وهو ما أدى إلى تقليده «النجمة الفضّية»، أحد أكثر الأوسمة القتالية قيمة. مثال للعسكري الملتزم بالأوامر والهرمية، وهو ما برهنه عندما كان نائباً لقائد فرقة المشاة الثالثة خلال احتلال العراق عام 2003، ثمّ نائباً لكل من بترايوس وأوديرنو من شباط 2008 حتى نيسان 2009 في بلاد الرافدين.
ولأنه اعتاد أن يكون دوماً الرجل الثاني، شغل في العام الماضي منصب اليد اليمنى لرئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش مايكل مولن بصفة «مدير هيئة الأركان المشتركة» التي تركها الجنرال ماكريستال فور تعيينه في أفغانستان.
إحدى النقاط التي تجمع عليها الكتابات التي تناولته، ملاحظة جثّته الهائلة (هو لاعب كرة سلة سابق)، وهو واحد من الجنرالات الثمانية ذوي البشرة السوداء في الجيش الأميركي، علماً بأنّ 6 في المئة من الضباط الـ 900 الكبار في الجيش الأميركي هم من البشرة السوداء.
نقطة إجماع ثانية هي ما يتعلق بصوته المنخفض وبشخصيته المتحفّظة والتي لا تحبّذ الظهور الإعلامي ولا تصدّر المشاهد. فهو «يفضّل الاجتماع بجنوده أكثر من تقديم البريفينغ للصحافيين»، وفق ما كتبت عنه مجلة «نيوزويك» في 2008. وهنا، رأت صحيفة «نيويورك تايمز» أنّ أوستن، «رغم أنه خيار آمن»، «يفتقر إلى لمعان الجنرال بترايوس» (قائد قوات الاحتلال في العراق قبل أوديرنو الذي عُيّن في 2008)، على قاعدة أنّ هذا الموقع بحاجة لأن يملأه رجل تواصلي استثنائي «قادر على إجلاس العرب والأكراد معاً وحل مشكلة «الصحوات»، والضغط بالشكل المناسب على العراقيين لإدارة بلادهم»، عدا طبعاً عن النجاح في المهمة الأهم، ألا وهي إبعاد النفوذ الإيراني قدر الإمكان عن حكام بغداد. لكنّ النائب السابق لرئيس أركان الجيش، الجنرال جاك كين، رأى أنّ أوستن «مستعد للمهمة الجديدة، وواقع أنه خدم في العراق تحت إمرة أوديرنو وبترايوس أمر إيجابي، وهو ما كان وضع أدويرنو بعدما عمل بقيادة بترايوس». كلام لا يقنع «نيويورك تايمز» كثيراً، إذ إنها كانت تفضل اختيار إما الجنرال مارتن دمبسي أو الجنرال بيتر شياريلي للمنصب.
ومن بين العوامل التي أدّت إلى تنصيب أوستن، هي أنه على علاقة جيدة بالعراقيين، فهو «ضابط جيد يسيطر على قواته ولا يطلق النار كالكاوبوي»، على حد تعبير أحد مسؤولي الحكومة العراقية لـ«نيوزويك».
وكان معهد «بروكينغز»، أحد أهم مراكز الأبحاث الأميركية ومن بين أشدها تأثيراً على دائرة القرار في واشنطن، سبّاقاً في الدفاع عن أوستن؛ ففي مقال نُشر في 23 نيسان 2009 تحت عنوان عاطفي (لويد أوستن: بطل أميركي يجب التعرف إليه)، دعا المعهد إلى الاقتداء بأسلوب عمله لكن في المستنقع الأفغاني (حيث سبق لأوستن أن خدم أيضاً). فأوستن هو «بطل معركة البصرة» (2008)، وهو منقذ رئيس الوزراء نوري المالكي بعدما حاصره مسلّحو مقتدى الصدر قبل أن يطير أوستن من بغداد إلى المدينة الجنوبية وينتشل رئيس الحكومة المستغيث. حتى إنّ قارئ مقال «بروكينغز» يُخيَّل له أنّ الصيت كان لبترايوس، والفعل للويد أوستن في معارك البصرة والأنبار ومدينة الصدر.
ويوحي كاتب النص بأنّ المعهد الأميركي يشجّع أصحاب القرار على تعيين أوستن... في أفغانستان، بما أنه «ليس هناك شخص شبيه بأوستن حالياً».

عمل تحت إمرة بترايوس وأوديرنو واستراتيجيّته خليط من فلسفة الرجلين
ومن بين أسباب اختياره للمنصب، قد يجد المراقب حجة قوية تتجسد بأن أوستن مقتنع بأنه «قبل 7 سنوات، لم يكن أحد يتوقع أن تبقى القوات الأميركية ملتزمة عسكرياً لهذه الفترة الطويلة في العراق».
إذاً، فهو مقتنع بضرورة الرحيل، ولديه المجال لإتمام ذلك خلال إدارته قواته في الأشهر الـ 17 المقبلة قبل حلول موعد المغادرة، إن حصلت، في نهاية 2011.
وعن طريقة عمله، صرّح قبل أشهر، بأنه يقف في نقطة وسطية بين استراتيجية بترايوس وفلسفة أوديرنو. الأول منظّر «الاحتيال على المتمردين»، من خلال شراء الذمم وخلق مجالس الصحوات، والثاني يعوّل أكثر على القوة الحربية وعلى «عمليات تنظيف الأوكار».
على الأرجح أنّ السمات الشخصية للجنرال أوستن أخذها وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس في حسبانه عندما زكّاه للموقع الجديد الذي تسلّمه، أول من أمس، مع دخول المهمة الأميركية في العراق مرحلتها الجديدة. فالمطلوب حالياً رجل فعّال من دون أن يثير ضجّة. رجل يستحق لقب آخر جنرال أميركي في العراق وخاتمة محتلّيه، يحكم القبضة على جنوده الـ 49700 ليحرص على ألّا يفقد أياً منهم في المستنقع الذي خسّر الأميركيين 4400 جندي.
إنجاز عجز أوديرنو عن تأمينه حتى لابنه أنطوني الذي بُترت ساقه عندما كان يقاتل في العراق عام 2004.