«تمرّد وزاري» على الطروحات اليمينيّة... وانتقاد أوروبي لخرق «فضاء شنغن» باريس ــ بسّام الطيارة
تخطّى التململ من توجهات الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في قضية نزع الجنسية عن بعض الفرنسيين، خصومه السياسيين ليصل إلى حزبه، ويتجاوز الحلقة الضيقة اللصيقة بـ«غريمه» رئيس الوزراء السابق دومينيك دوفيلبان إلى رؤساء وزراء سابقين مثل آلان جوبيه وحليفه القوي بيار رافاران، الذي دعمه للوصول إلى الإليزيه.
وسبّبت موجة القلق من «خطاب غرونوبل» لساركوزي، الذي حمل هذه الطروحات، ما يمكن وصفه بـ«التمرد الوزاري»، إذ إن ثلاثة وزراء أعلنوا بطريقة لا لبس فيها «انزعاجهم» من هذا التوجه الذي «يقسّم الفرنسيين»، إلى جانب انتقادهم العلني لمسألة طرد الغجر.
فوزير الخارجية برنار كوشنير صرّح علناً بأنه «فكّر في الاستقالة»، فيما سكرتيرة الدولة الفرنسية لشؤون المدن، فضيلة عمارة، من أصول جزائرية، انتقدت الترحيل.
وصرّحت الرئيسة السابقة لمنظمة «لا عاهرة ولا منصاعة» بأن الغجر يتعرضون للتمييز وإساءة المعاملة في بلادهم الأصلية، وأعربت عن اعتقادها أنه «آن الأوان لكي نتبنى سياسة استقبال أبناء هذه الطائفة ودمجها»، وأشارت إلى أنها «ضد الترحيل».
بدوره، انتقد وزير الدفاع إيرفيه موران المناقشات بشأن القوانين المبنية على خلق نوع من «الكراهية والخوف» وجعل بعض الفرنسيين كبش فداء، في انتقاد مباشر لما بات متّفقاً عليه بأن ساركوزي وفريقه يستعملان «خوف الفرنسيين من الغريب» استعداداً للحملة الانتخابية الرئاسيّة في ٢٠١٢.


ساركوزي يعقد اليوم اجتماع تحكيم بشأن «آليات سحب الجنسية الفرنسية»


وسرّبت أوساط مقرّبة من موران أنه يمكن أن يخوض معركة الرئاسة، ما دفع برئيس الحكومة فرانسوا فيون للطلب من وزرائه وقف «التراشق الإعلامي وبث الكلمات السامة»، فيما ساركوزي طلب من الوزراء «العمل على خدمة الفرنسيين من دون الاهتمام بأي شيء آخر»، بحسب ما نقل الناطق باسم الحكومة لوك شاتيل.
رغم كل هذا، فإن ساركوزي يعقد اليوم اجتماع تحكيم بين طروحات تعديل القوانين في شأن «آليات سحب الجنسية الفرنسية»، وفي اتجاه التشدد في مسألة الجنسية والمهاجرين التي حملها الوزيران الأكثر مغالاة في حكومته؛ «الصديق» بريس هورتوفو وزير الداخلية، رجل الثقة المقرّب جداً منه، و«الخائن الآتي من اليسار»، وزير الهجرة والهوية الوطنية إريك بيسونو، في حضور رئيس الوزراء ووزيرة العدل ميشال اليو ماري.
ومن المعروف أن فرنسا تجنّس سنوياً نحو «مئة ألف شخص»، بينما يقود قانون «أرض الولادة» إلى تجنيس ٣٠ ألفاً من أولاد المهاجرين الذين يولدون في الأراضي الفرنسية.
وقد ظهرت تباينات قوية بين طروحات الوزراء المعنيين، إذ يبدو أن هورتوفو يسعى كي يشمل نزع الجنسية من يُحكَم بسبب «تعدّد الزوجات أو الاحتيال على مؤسسات الضمان» وذلك عن طريق إقامة علاقات مع أكثر من امرأة واحدة للاستفادة من المنح الاجتماعية، و«استغلال ضعف المرأة» لإجبارها على ارتداء البرقع أو إجراء عملية ختان نسائية، وهي جرائم يقترح وزير الداخلية استحداثها في القانون الجنائي الفرنسي. كذلك يقترح الوزير أن تقود هذه الجرائم إلى نزع الجنسية في حال كان مرتكبوها من أصول أجنبية «جُنّسوا قبل أقل من عشر سنوات»، وهي إشارة واضحة إلى الفرنسيين من أصول مهاجرة إسلامية.
ويقترح هورتوفو أيضاً سحب الجنسية الفرنسية من «كل شخص من أصل أجنبي تعمد تشكيل خطر» على حياة شرطي أو دركي أو أي «ممثل للسلطة العامة»، فيما يرى بيسون من جهته أن من الضروري أن تطال مفاعيل القوانين الجديدة فقط من «يعرّض أمن الوطن للخطر»، مثل قتل شرطي أو قاض أو محافظ، ليتناسب مع «القوانين الدولية». وتحفّظ الوزير، ذو الأصول اللبنانية الذي يستعد بعد طلاقه للزواج من شابة تونسية، على مدّ مفاعيل القانون في مسألة تعدّد الزوجات. بينما ترى اليو ماري، التي تتحدث بعض الأوساط عن احتمال خلافتها لفيون في رئاسة الوزراء، عن ضرورة أن يشمل نزع الجنسية «كل من يقتل بدم بارد» ممثلاً للسلطة «من شرطة وقضاة أو جمارك أو رجال إطفاء أو حارس سجن أو حارس بناية»، في ما رآه البعض «مزايدة قبل التغيير الوزاري المنتظر» ولكسب تأييد الجناح الأكثر يمينية داخل الحزب الحاكم الذي «يطالب بالمزيد من الحزم في أمن الفرنسيين»، في منافسة مكشوفة مع اليمين المتطرف والجبهة الوطنية.


وزيرا الخارجية والدفاع وسكرتيرة الدولة لشؤون المدن ندّدوا بسياسة ترحيل الغجر

وقد أثار ربط ساركوزي بين انعدام الأمن والهجرة والمهاجرين، الذي ترافق مع عمليات ترحيل أعداد من الغجر إلى رومانيا وبلغاريا بعد تفكيك ١٢٨ مخيماً خلال شهر واحد، انتقادات حادة لسياسته هذه في الخارج أيضاً.
إذ بعد انتقاد الفاتيكان والكنيسة لها، وصل الأمر إلى لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان التي أصدرت بياناً شديد اللهجة. كذلك فإن الاتحاد الأوروبي طلب مقابلة مسؤولين فرنسيين للاستفسار عن «هذا التوجه الخطير». وانتقدت المفوضية الأوروبية بوضوح «وضع العراقيل أمام تنقّل الأوروبيين داخل فضاء شنغن»، في مخالفة واضحة لمعاهدة الاتحاد الأوروبي التي تكفل هذه الحرية.
وردّت الحكومة الفرنسية على موجة الانتقادات هذه بأن قوانين العمل المقبولة أوروبياً تسمح لها برفض من «لا مهنة له ويمثّل عائقاً على الضمان الاجتماعي في حال تكرار زياراته إلى الأراضي الفرنسية».

إلا أن عدداً من الجمعيات الناشطة ومراكز حقوق الإنسان انتقد «الانتقائية والتمييز» في تطبيق قوانين الإقامة والعمل الأوروبية، فيما تساءل بعضها عمّا إذا كانت السلطات الفرنسية «تسأل البريطانيين أو الألمان ماذا يفعلون عند كل زيارة لهم لفرنسا؟».