كوريا الشماليّة تطلّ عبر «فايسبوك» و«تويتر» و«يوتيوب»صباح أيوب
دخلت الصحافية الأميركية متخفية إلى كوريا الشمالية مدّعية أنها جزء من طاقم طبّي، وعملها يقتضي تصوير بعض العمليات الجراحية التي سيجريها الفريق. سمحت لها السلطات الكورية الشمالية بإنجاز عملها وفق شروط صارمة. لكن خلال مرورها في أحد شوارع بيونغ يانغ، قررت الصحافية أخذ صورة لتمثال ضخم للقائد الكوري كيم إيل سونغ، عندها سارع «المرافق السياحي»، الموكل مرافقتها من السلطات الكورية، إلى إيقافها وطلب منها محو الصورة و... مغادرة البلاد فوراً!

الغرب لا يركز على جانب «العزلة» المفروضة عليها من خلال العقوبات الأميركية
عادت الصحافية إلى بلادها على الفور مع القليل من الصور والكثير من الرهبة، ما مكّنها من تنفيذ شريط وثائقي متواضع بمشاهد معدودة وبسيطة من العاصمة الكورية الشمالية.
قد تلخّص هذه الحادثة أحد أهمّ المبادئ التي تعتمدها الجمهورية الديموقراطية الشعبية الكورية في تعاملها مع العالم الخارجي منذ تأسيسها: «أنا أتحكم بكل ما يخرج مني وعني إلى العالم. أنا أصنع صورتي عن نفسي».
وهذا ما يفسر خلوّ كوريا الشمالية من الصحافيين الأجانب، وهذا ما يبرر الصور القليلة النادرة العالقة في أذهاننا عن أحد آخر معاقل النظام الشيوعي في العالم.
«كوريا الشمالية هي أكثر الدول عزلة عن العالم الخارجي»، هكذا يُجمع الغرب على وصف الجمهورية الآسيوية من دون التركيز على جانب «العزلة» المفروضة عليها من خلال العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة الأميركية على دولة الـ24 مليون نسمة. فعلياً، لا أحد يعرف بالضبط كيف تسير الأمور هناك ومَن معزول عن مَن، وما الذي يعرفه المواطنون الكوريون عمّا يجري خارج حدود دولتهم، البعض يقول إن مواطني كوريا الشمالية محرومون الهواتف والإنترنت والقنوات الفضائية... لكن الأكيد أن العالم الخارجي هو أيضاً معزول عنهم، فالأخبار الكورية الشمالية لا تصلنا إلا عبر الوكالة الرسمية للدولة أو من إعلام عدوّتها كوريا الجنوبية ومن يدعمها، لذلك تبقى الصورة والخبر الواردان من «الأراضي المحرمة» في إطار الترجيح والدعاية أو الدعاية المضادة.
هكذا أمسك «القائد المؤسس» كيم إيل سونغ منذ عام 1949، ومن بعده ابنه الزعيم الحالي كيم جونغ إيل منذ عام 1994، أحدى أهمّ ركائز نظام الحزب الواحد، وهي الإعلام والتواصل. وهكذا، اعتاد العالم أن يتابع أخبار كوريا الشمالية من خلال صور فوتوغرافية للزعيم الكوري الشمالي وهو يفتتح مصنعاً أو يحيّي الجماهير أو... يدشن مفاعلاً نووياً! لكن شيئاً ما حدث في نهاية عام 2008، عندما أبرمت كوريا الشمالية اتفاقاً مع شركة الاتصالات المصرية ـــــ الدولية «أوراسكوم تيليكوم» لإنشاء شبكة اتصالات خلوية في الجمهورية الشعبية. وبعد أقلّ من عامين، شهد العالم على حدث مشاركة كوريا الشمالية بمباريات «كأس العالم» فشخصت الأنظار إلى الفريق الكوري كأنه آتٍ من كوكب آخر. أما المفاجأة الكبرى فهي احتلال كوريا الشمالية أخبار شبكة الإنترنت وصفحات التواصل منذ أشهر، وخصوصاً بعدما ظهر النظام الشيوعي فجأة على مواقع «يوتيوب» و«تويتر» وأخيراً... على «فايسبوك»!
فما الذي يجري في «البلد الأكثر عزلة في العالم»؟ وهل تلك هي إشارات جدية على بداية انفتاح اقتصادي وتجاري وإعلامي، أم أنها مجرّد وسائل أخرى لبثّ بروباغندا الحزب الحاكم؟ ماذا ستفعل «أوراسكوم» في بلاد الاتصالات المقطوعة؟ وهل سينافس كيم باراك أوباما بعدد الأصدقاء على «فايسبوك»؟ البعض «متفائل» بخطوة الألف ميل تلك، والبعض الآخر يقول إن كيم ضجر ويريد فقط أن يتسلى بالتكنولوجيا الحديثة.
في 15 كانون الأول من عام 2008، أُطلقت شبكة الاتصالات الخلوية «كوريولينك»، وذلك بعد حصول شركة «أوراسكوم تيليكوم» المصرية على رخصة استثمار في قطاع الاتصالات في كوريا الشمالية لمدة 25 سنة. «كوريولينك» هي استثمار مشترك بين «أوراسكوم»، التي تملك 75 في المئة منها وشركة البريد والاتصالات الكورية الرسمية، وحصتها 25 في المئة، وبرأسمال قدره 400 مليون دولار أميركي سيخصص «لتطوير نظام اتصالات وهواتف من الجيل الثالث للكوريين الشماليين». طبعاً، حفل افتتاح الشركة وإطلاق الخدمات وشروط عمل «أوراسكوم» كلها أحيطت بالسرية. فنشر الإعلام العالمي بعض التسريبات من «مصادر مجهولة» وبعض ما جاء في بيان شركة «أوراسكوم».
أما المراقبون، فانقسموا بين مؤيّد للخطوة ومتفائل بانفتاح اقتصادي قريب، وبين من نعى المشروع في مهده، قائلين إن النظام الحاكم لن يسمح للشركة بالعمل كما يجب؛ لأنه «ليس من مصلحة النظام الكوري أن يتكلم المواطنون بعضهم مع بعض ويبقوا على تواصل».

شيء ما حدث في 2008 عندما أبرمت كوريا الشمالية اتفاقاً مع «أوراسكوم تيليكوم»
وبعد المشاركة ـــــ المفاجأة لكوريا الشمالية جمهوراً ولاعبين في «كأس العالم» في جنوب أفريقيا، ضجّ العالم منذ شهر تموز الماضي بـ«ظهور» آخر للجمهورية الكورية، وهذه المرّة على الشبكة العنكبوتية!
Uriminzokkiri أو «وحدنا كأمّة» هو صفحة «يوتيوب» التي تجمع وسائل الإعلام على أنها الصفحة الرسمية لكوريا الشمالية، حيث أكثر من 300 شريط مصوّر و1800 مشترك وأكثر من 360 صديقاً. الأشرطة المحمّلة على صفحة «يوتيوب» هي باللغة الكورية وتعرض معظمها إنجازات الدولة وتصريحات «القائد الأبدي». كذلك تتناول بعض الأفلام حادثة تعرض سفينة حربية كورية جنوبية في آذار الماضي لهجوم بحري، ما أدى إلى غرقها ومقتل من عليها، مع العلم بأن كوريا الجنوبية والولايات المتحدة تتهمان كوريا الشمالية بالهجوم.
بعد «يوتيوب» أنشأت كوريا الشمالية صفحة لها على موقع التواصل «تويتر»، تضم حالياً أكثر من 10 آلاف منتسب وتتضمن مواقف صريحة ضد كوريا الجنوبية «التابعة والمؤتمرة من الولايات المتحدة». الصفحة شهدت إقبالاً كثيفاً من المواطنين الجنوبيين، ما دفع كوريا الجنوبية إلى حجب الصفحة «حفاظاً على الأمن القومي». فما كان من بيونغ يانغ إلا أن اتهمت سيول «بمنع المواطنين من حرية الوصول إلى مواقع التواصل» مستهجنة الأمر. وفي مساء 19 آب، دعت بيونغ يانغ باسم شعبها وأمتها الموحدة العالم لـ«يكونوا أصدقاءها» حسب لغة «فايسبوك» وينضموا إلى صفحتها. الحساب الخاص بكوريا الشمالية الذي أنشئ على الموقع الأكثر انفتاحاً في/على العالم يعرض صوراً للمعالم الطبيعية في البلاد وللقائدين وشرائط مصوّرة مشتركة مع صفحتي «يوتيوب» و«تويتر». لكن صفحة «فايسبوك» أغلقت بعد 4 أيام على ظهورها من دون أي تفسير.


ولع بالإلكترونياتلكن بعض المحللين والصحافيين لم يحمّلوا الظاهرة تلك معاني خطيرة وجدية وأرجعوها فقط إلى «ولع كيم بالمنتجات الإلكترونية»، وهو الأمر المعروف عنه.
كذلك يذكّرون بحادثة طلب الزعيم الكوري الشمالي من وزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت الحصول على «إيميلها» الخاص ليكتب رسائل لها!
ويوضح أصحاب هذه النظرية أن النظام الكوري الشمالي يعتمد منذ عشرين عاماً على التقنيات الإلكترونية، وبعض المعلومات تشير إلى تجنيد بيونغ يانغ نحو 600 قرصان لاختراق مواقع العدو.