واشنطن ــ محمد سعيد خاص بالموقع- أكد خبيران اقتصاديان أميركيان أنّ الكلفة الحقيقية للحرب التي تشنّها الولايات المتحدة على العراق منذ نحو سبع سنوات ونصف تتجاوز 3 تريليون دولار، خلافاً لادعاءات الحكومة الأميركية التي تضعها في حدود تريليون دولار.
وقال الخبيران جوزيف ستيغليتز وليندا بيلمز في تقرير نشرته صحيفة «واشنطن بوست» يوم الأحد الماضي إنّهما وضعا في أوائل عام 2008، التكلفة الإجمالية للولايات المتحدة في الحرب على العراق بـ3 تريليون دولار. وهو أقل من التقديرات الحقيقية الحالية، بما في ذلك توقعات عام 2003 التي كانت حكومة الرئيس السابق جورج بوش قد وضعتها بأن تتراوح كلفة الحرب بين 50 و60 مليار دولار.

ويذكر أنّ جوزيف ستيغليتز وليندا بيلمز هما مؤلفا كتاب «حرب الثلاثة تريليون دولار: الكلفة الحقيقية للصراع في العراق» الذي كشفا فيه أكاذيب حكومة بوش في ما يتعلق بالحرب على العراق.

وقال المؤلفان إنّهما يجدان بعد عامين من نشر كتابهما أنّ 3 تريليون دولار هي أقل من الكلفة الحقيقية للحرب مع إعلان الرئيس باراك أوباما يوم 31 آب الماضي سحب ما يسمى «القوات الأميركية المقاتلة» من العراق وخفض عدد الجنود إلى نحو خمسين ألف جندي. وأوضحا أنّ كلفة الحرب تشمل نفقات الحكومة الأميركية على الحرب وتأثير الحرب الأوسع على الاقتصاد الأميركي. فعلى سبيل المثال، تثبت كلفة تشخيص وعلاج وتعويض قدامى المحاربين المعوقين أنّ كلفة الحرب أعلى مما توقعاه قبل عامين.

ويتساءل الخبيران لو أنّ الحرب لم تشنّ على العراق، فهل يمكن أن ترتفع أسعار النفط بسرعة أو يزداد الدين الأميركي العام إلى هذا الحد (أكثر من 12 تريليون دولار) أو أن تكون الأزمة الاقتصادية شديدة الوطأة؟ والجواب الذي يقدمانه هو «لا» ويقولان إنّ الدرس المركزي في الاقتصاديات هو أنّ الموارد بما فيها الأموال والاهتمام هي نادرة، وأنّ ما هو مخصص لمسرح واحد هو العراق ليس متاحاً في أماكن أخرى.
وأشار الخبيران إلى أنّ الحرب على العراق قد حوّلت انتباه الأميركيين عن الحرب الأميركية على أفغانستان التي تدخل عامها العاشر، فيما كسب الحرب هناك بات بعيد المنال. وقالا إنّه فور غزو العراق عام 2003 خُفض الإنفاق العسكري للحرب على أفغانستان إلى 14.7 مليار دولار مقارنة بـأكثر من 20 مليار دولار في عام 2002، فيما ضُخّ 53 مليار دولار في الحرب على العراق، وكذلك أُنفق في أعوام 2004، 2005 و 2006 في العراق أربعة أضعاف ما أُنفق في أفغانستان.
وقالا إنّ من الصعب الاعتقاد أن تتجه الولايات المتحدة لخوض ما سمياه «الصراع الدموي» في أفغانستان اليوم «لو كنا كرسنا الموارد هناك بدلاً من نشرها في العراق. إنّ إرسال المزيد من القوات في عام 2003ـ قبل أن يتمكن أمراء الحرب وطالبان من إعادة سيطرتهم ـ كان سيكون أكثر فاعلية من زيادة القوات في عام 2010».

وأشار الخبيران إلى أنّ سعر النفط عندما غزت الولايات المتحدة العراق في عام 2003 كان 25 دولاراً للبرميل الواحد، وكانت التوقعات الخاصة بالأسواق المستقبلية بأن يبقى السعر في هذا المستوى، لكن مع شنّ الولايات المتحدة حربها على العراق، بدأت الأسعار في الارتفاع، فبلغت 140 دولاراً للبرميل الواحد بحلول عام 2008. وأعربا عن اعتقادهما أنّ الحرب وتأثيرها على المنطقة التي تُعَدّ أكبر مورد للنفط في العالم، كانت العوامل الرئيسية. ولم يقتصر الأمر على توقف الإنتاج العراقي، لكن عدم الاستقرار وجلب الحرب إلى المنطقة قللا من فرص الاستثمار فيها.

وقالا إنّهما عندما وضعا كلفة الحرب قبل عامين في حدود 3 تريليونات دولار فقد ألقيا باللوم على الحرب في ارتفاع أسعار النفط خمسة دولارات للبرميل الواحد. وهما يعتقدان اليوم أنّهما أكثر واقعية إذا قدرا تأثير الحرب على الأسعار بزيادة 10 دولارات لأسعار البرميل الواحد من النفط، وهذا من شأنه إضافة 250 مليار دولار في التكلفة المباشرة للتقويم الأصلي لتكلفة الحرب.

وقال الخبيران الأميركيان: «ليس هناك شك في أنّ الحرب على العراق قد زادت على نحو جوهري الدين العام. واشارا إلى أنّ هذه هي المرة الأولى في التاريخ الأميركي الذي تقوم فيه الحكومة بخفض الضرائب، في وقت تذهب فيه إلى الحرب. وقالا إنّ نتيجة ذلك أنّ الحرب تُموّل بالكامل من طريق الاقتراض. وقد ارتفعت ديون الولايات المتحدة من 6.4 تريليونات دولار في آذار 2003 إلى 10 تريليونات دولار في عام 2008 (قبل الأزمة المالية)، ويرجع ما لا يقل عن ربع هذه الزيادة مباشرة إلى الحرب. وهذا لا يشمل مستقبل الرعاية الصحية والدفعات التي تقدم لقدامى المحاربين المعوقين، والتي ستضيف نصف تريليون دولار آخر إلى الدين.
وأوضحا أنّه نتيجة لحربين مكلفتين تمولان من طريق الديون، فإنّ الولايات المتحدة تبدو في حال كئيبة حتى قبل الأزمة المالية، وهذه المشاكل المالية تفاقم الانكماش الاقتصادي.

ويعزو الخبيران الأزمة المالية العالمية «على الأقل جزئياً» إلى الحرب التي تشنها الولايات المتحدة على العراق. ويشيران إلى أنّ ارتفاع أسعار النفط يعني أنّ الأموال التي تنفق لشراء النفط في الخارج هي أموال لا تنفق داخل الوطن. ويقولان إنّ دفع الأموال إلى مقاولين أجانب يعملون في العراق لم يكن حافزاً فعالاً على المدى القصير (وليس بالمقارنة مع الإنفاق على التعليم ، والبنية التحتية أو التكنولوجيا) ولا أساس للنمو على المدى الطويل.

وبدلاً من ذلك، أسهمت السياسة النقدية والضوابط الاقتصادية الفضفاضة في دفع الاقتصاد إلى أعلى، إلى أن انفجرت فقاعة سوق العقار مسببة في سقوط الاقتصاد الحر.

واشارا إلى أنّ الحرب على العراق وأفغانستان قد أسهمت إسهاماً غير مباشر في السياسة النقدية الكارثية وفي لوائح الضوابط الاقتصادية.

وقالا إنّ «الحرب على العراق لم تسهم فقط في شدّة وطأة الأزمة المالية، لكنّها حالت دون أن نستجيب لها بفاعلية». وأضافا أنّ «زيادة المديونية تعني أنّه لدى الحكومة مساحة أقل للغاية للمناورة، مما كانت عليه من قبل».

واختتم الخبيران تقريرهما بالقول إنّ الخروج من الأزمة الاقتصادية بكلّ مظاهرها، بدءاً من التضخم الناتج من الانخراط في الحرب وعجز خطة الحوافز الاقتصادية وضعف القدرة على مواجهة الركود الاقتصادي وارتفاع نسبة البطالة وزيادة الدين العام يتطلب وقف الحرب. وأضاف الخبيران: «يبدو واضحاً أنّه من دون هذه الحرب، فإنّ مكانة أميركا في العالم ستكون أعلى، كذلك فإنّ اقتصادنا سيكون أقوى».