موسكو ـ حبيب فوعاني بفوز «رجل موسكو» فيكتور يانوكوفيتش على رئيسة الوزراء السابقة يوليا تيموتشينكو والرئيس السابق فيكتور يوشينكو، في انتخابات الرئاسة الأوكرانية مطلع العام، بدأت أوكرانيا صفحة جديدة في حياتها السياسية، أهم معالمها الظاهرية عودة الدفء إلى العلاقات الروسية ـ الأوكرانية.
فبدلاً من الاتهامات التي كان يكيلها الرئيس «البرتقالي» السابق لموسكو، حلّت مرحلة جديدة من التعاون الذي يكاد يصل إلى التكامل بين البلدين.
ويحمل هذا التقارب في جزء منه طابعاً اقتصادياً، باعتبار أن روسيا هي المستثمر الأكبر في اقتصاد أوكرانيا. ويمكن ملاحظة ذلك في قطاعات بناء السفن والاتصالات الخلوية والتعدين وتكرير النفط والقطاع المصرفي. كذلك تهتم موسكو بالموضوعات المتعلقة ببيع الغاز للمستهلكين على الأراضي الأوكرانية، وامتلاك زمام تصدير الطاقة الكهربائية إلى الغرب، وكذلك التعاون في مجال الطاقة النووية، حتى بات يمكن القول إن ثلث موجودات الاقتصاد الأوكراني أصبحت تعود إلى «البزنس» الروسي.
رغم ذلك، لا تنوي كييف الارتماء في أحضان موسكو، إذ أعلن الرئيس الأوكراني الجديد أن التكامل مع البنية الأوروبية يبقى الهدف الأهم لبلاده.
وقد أدى هذا التقارب مع الغرب إلى تبعية كييف للقروض الخارجية، حيث حصلت على نحو 16 مليار دولار من صندوق النقد الدولي وأصبحت رهينة لشروطه. وقال نائب رئيس الوزراء الأوكراني، سيرغي تيغيبكو، إن «الحكومة تعدّ كل مشروعات القوانين المهمة بمشاركة المفوضية الأوروبية والبنك الدولي».
وتتمثل صعوبة انتهاج سياسة خارجية أوكرانية حكيمة في غياب فريق حاكم موحّد، ولا سيما أن يانوكوفيتش لم يصبح بعد رئيساً لكل أوكرانيا، وما زال صراعه السياسي مستمراً مع تيموتشينكو الموالية للغرب.
وعلى خلفية فضيحة تورّط دبلوماسيي السفارة الإسرائيلية في كييف بتهريب سيارات فاخرة إلى أوكرانيا بقيمة 3 ملايين دولار، وبيعها للساسة الأوكرانيين وأقاربهم، وجد أعداء رئيسة الوزراء السابقة الوقت مناسباً لتسريب معلومات إلى وسائل الإعلام عن جذور تيموتشينكو اليهودية، إذ تبيّن أن جدّ «الأميرة البرتقالية» أبراهام كابيلمان كان مديراً لمدرسة يهودية في مدينة سنياتين الأوكرانية، التي هرب إليها من بولونيا في نهاية عام 1939، مع فصيل من ناشطي حركة «بيتار» الصهيونية.
إلى ذلك، أظهرت الأشهر الأولى لحكم يانوكوفيتش وجود مشكلات جدية إزاء وضع سياسة اقتصادية جديدة وتنفيذ وعوده الانتخابية بعدم إطالة سن التقاعد، وعدم زيادة تعرفات الخدمات العامة بسبب ضغوط صندوق النقد الدولي.
وبالنسبة إلى العلاقات مع روسيا، فقد كانت أوكرانيا بعد نيلها الاستقلال عام 1991 تهتم دائماً بالحصول من جارتها الكبرى على امتيازات اقتصادية، لكنها تفضّل في الوقت نفسه دول الغرب في المجال السياسي.
ويجبر الوضع الاقتصادي الصعب يانوكوفيتش على تقديم تنازلات جيوسياسية واقتصادية لروسيا مقابل الغاز الروسي الرخيص، إذ نالت كييف خفوضات بنحو 4 مليارات دولار على سعر الغاز المستورد لهذا العام، مقابل تمديد فترة مرابطة الأسطول الحربي الروسي في القرم الأوكرانية بعد عام 2017 لمدة 25 عاماً مع إمكان تمديدها لمدة خمس سنوات أخرى، ودرس مشاريع اقتصادية مشتركة بين البلدين.
ويرى الخبراء أن أوكرانيا لا تنظر إلى العلاقات مع جارتها السلافية إلا كمرحلة انتقالية ضرورية لإحياء الاقتصاد. فكييف تدرك جيداً أن التوصل إلى تقدم مع بروكسل يمكن فقط عبر نموّ مستقر للاقتصاد الأوكراني ورفع المستوى المعيشي للمواطنين واستقرار الوضع السياسي.
وفي نهاية أيار الماضي، أقرّت الحكومة الأوكرانية برنامج التكامل مع بروكسل للتوصل في المستقبل إلى الحصول على عضوية مؤازر وإلغاء التأشيرات مع الاتحاد الأوروبي.
إضافة إلى ذلك، مع أن كييف تعلن أنها لا تنوي الدخول في أحلاف مع أحد، فإنها تعمل في إطار البرنامج السنوي للتكامل مع حلف شمالي الأطلسي، ولم تتخل عن حلمها بالانضمام إلى هذه المنظمة رغم معارضة فرنسا وألمانيا التي أكدت مستشارتها أنجيلا ميركيل مرة أخرى، خلال زيارة يانوكوفيتش إلى برلين نهاية الشهر الماضي، أن موضوع انضمام كييف إلى حلف شمالي الأطلسي غير مدرج الآن على جدول أعمال الحلف.
ومع بدء حملة انتخابات المجالس البلدية ورؤساء البلديات المقررة في 31 تشرين الأول المقبل، عاد التوتر إلى الأجواء السياسية في أوكرانيا. واتهمت تيموتشينكو، أمام حشد من 5 آلاف من أنصارها، يانوكوفيتش بإهانة أوكرانيا وتدميرها، وحثّت المعارضة على الوحدة في الانتخابات.
من جديد يدور صراع عنيف بين السياسيين الأوكران على عقول المواطنين وقلوبهم، وتجد أوكرانيا، التي لا تزال تبحث عن وجهها، نفسها على صفيح ساخن.