تبدي السلطات الأمنية الفرنسية خشيتها من تزايد احتمالات تعرضها لاعتداءات، فيما تعاني البلاد تطرفاً سياسياً في معالجة القضايا الأمنية، وتحديداً في ملفات النقاب ونزع الجنسية وطرد الغجر
باريس ــ بسّام الطيارة
أقر البرلمان الفرنسي أمس مشروع القانون القاضي بمنع النقاب في الأماكن العامة بعد دراسته في مجلس الشيوخ من دون أي احتدام في النقاش، بعدما انتقلت أجواء التوتر من ملف النقاب إلى ملف نزع الجنسية، ومن ثَم إلى مسألة طرد الغجر التي كشفت وثائق مسربة من وزارة الداخلية أنها تجري بأسلوب منهجي، مستهدفة الغجر تحديداً كمجموعة سكانية، وهو ما تمنعه القوانين الفرنسية والأوروبية والدولية، وما ينبئ بفتح أزمة جديدة تحت عنوان جديد.
لكن بعيداً عن ضوضاء التطرف السياسي في معالجة القضايا الأمنية التي جعل منها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي شعار فترة حكمه الأخيرة تحضيراً لانتخابات الرئاسة المقبلة، يسود القلق الأوساط الأمنية «الفاعلة على الأرض لمكافحة الإرهاب».
ولا يتردد رئيس دائرة مكافحة الإرهاب الفرنسية برنار سكارسيني من التصريح للصحافة بأن خطر وقوع اعتداء على الأراضي الفرنسية «لم يكن أبداً كبيراً كما هو اليوم»، مشدداً على أن «مصدر القلق الرئيسي هو تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي».
وذكر سكارسيني، في مقابلة مع صحيفة «لو جورنال دو ديمانش»، أن باريس تواجه «مستوى الخطر نفسه الذي أحدق بها عام ١٩٩٥» إبان موجة الاعتداءات الإرهابية العمياء التي أدمت عاصمة النور.
وذكرت مصادر استخبارية لـ«الأخبار» أن المعلومات إضافة إلى الإشارات تدل كلها على «خطر داهم يتربص بفرنسا».
وحسب المصادر الاستخبارية، فإن التهديد يمكن أن يكون له ثلاثة مصادر: أولها التطرف الداخلي عندما ينفّذ أحد الفرنسيين من معتنقي الدين الإسلامي عملية على نحو إفرادي، إما «تنفيساً عن شعور غامض» أو تلبية لـ«دعوة عامة لا يعرف هو نفسه مصدرها»، كأن يرد على استفزاز حرق القرآن مثلاً.
أما المصدر الثاني للتهديد، فيتمثل في احتمال إرسال «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» مجموعة أو فرداً لتنفيذ اعتداء على الأرض الفرنسية، إما انتقاماً لعملية عسكرية فاشلة في الساحل الأفريقي، أو لتوجيه رسالة للسلطات الفرنسية بصدد سياستها أو فقط لضرب المصالح الفرنسية.
وتستطرد المصادر بأن آخر مصادر التهديد تبرز من خلال انضمام عدد من الفرنسيين «إلى ما يسمى الجهاديين»، فيذهبون إلى أفغانستان أو إلى اليمن وإلى الصومال «ويعودون سراً مدربين على القتال لمتابعة معركتهم على الأراضي الفرنسية».
وتعكس آخر استطلاعات الرأي «الخوف الفرنسي» الموجود لدى المواطنين، إذ يعبّر ٥٢ في المئة من الفرنسيين عن «قلق مرتفع» من التهديد الإرهابي. وكشف سكارسيني عن أن أجهزته «تحبط عمليتين ضخمتين كل سنة»، منها أخيراً إحباط محاولة لشخص يدعى فاروق ب. يحمل الجنسيتين البلجيكية والتونسية حاول تفجير قاعة عرض سينمائي في باريس في مناسبة حفل تبرع للجيش الإسرائيلي. كذلك أشار إلى القبض على «مهندس نووي» يدعى أدلين هيشر، يعمل في مركز أبحاث نووية «عرض خدماته على تنظيم القاعدة». وشدد على أن تنظيم القاعدة يبحث منذ سنوات عن صنع قنابل وسخة نووية أو بكتريولوجية (باكترية) لنشر الموت.
وعلمت «الأخبار» أنه في مطلع هذه السنة دُمجت أجهزة مكافحة الإرهاب الداخلية، إدارة أمن الدولة «دي إس تي» والأمن العام، بجهاز متابعة الإرهاب في الخارج التابع لـ«المديرية العامة للأمن الخارجي»، بهدف تنسيق العمل لحماية الأراضي الفرنسية، وخصوصاً في ظل انغماس القوات الفرنسية في الحرب الأفغانية وتحسباً لردات فعل من الإرهابيين.
في هذا الصدد، يقول سكارسيني: «يجب علينا الذهاب بعيداً للبحث عن المعلومة الصحيحة» لأن أي معلومة «يمكنها أن تترك انعكاساً مباشراً على سلامتنا هنا». وأضاف: «قبل ١٥ عاماً كان مصدر الخطر فقط شرق الجزائر العاصمة. أما الآن، فقد اتسع مصدر الخطر على نحو كبير». ورفض سكارسيني التوسع في التعليق على أخبار عن «مشاركة فرنسيين في أفغانستان في المعارك ضد الجنود الفرنسيين» العاملين في قوات حلف الأطلسي، إلا أنه أفاد بأن «عددهم قليل وأن طالبان لا تعتمد عليهم مباشرة». كذلك نفى وجود أي تطرف كبير للمسلمين في فرنسا، مشيراً إلى «أنّ ثمة نحو 300 متطرف يسببون مشاكل من أصل ستة ملايين مسلم فرنسي» يترددون على نحو ٣٠ مسجداً ودار عبادة من أصل نحو ١٨٠٠ موجودة في فرنسا. ومن الغرابة أن هذه النسب تتطابق على نحو كبير، حسب أكثر من مراقب، مع نسب مرتديات البرقع أو النقاب المستهدفَين بالقانون الجديد.