بول الأشقر احتفلت المكسيك بمناسبة مرور المئوية الثانية للاستقلال، وخرج ملايين من الناس إلى الشوارع ضمن تدابير أمنية مشددة وحالة إنذار فرضها اقتراب الإعصار كارل من شواطئ البلد الشرقية.
في العاصمة مكسيكو سيتي، بدأت الاحتفالات نهار الاثنين بتكريم الأولاد الأبطال ـ طلاب ضباط عمرهم بين 13 و17 سنة ـ الذين رفضوا إخلاء قلعة عام 1847 واستشهدوا لئلا يسلموا أنفسهم إلى قوى الولايات المتحدة.
وأول من أمس، تابع عرض العربات الكرنفالية عن تاريخ المكسيك وثقافتها أكثر من مليون مواطن بـ«صرخة الاستقلال» التي تصدّرها الرئيس كالديرون في ساحة الزوكالوا منتصف الليل. وحصلت احتفالات مشابهة في أكثر من 2000 بلدة، ونُشر 75000 عنصر من الجيش والشرطة لمنع كارتيلات المخدرات من الإساءة إلى سير الاحتفالات.
وبالرغم من الحذر الشديد، لم تلغ الاحتفالات إلا في عشرات البلدات، حيث أجريت في أماكن مغلقة، كما حصل مثلاً في سيوداد خواريز، التي تعدّ أعنف مدينة، سقط فيها أكثر من ألفي قتيل منذ بداية السنة.
وأمس، انتقل الرئيس كالديرون إلى بلدة دولوريس في ولاية غواناخواتو، موقع «صرخة الاستقلال» التاريخية التي أطلقها ميشيل هيدالغو.
على هامش الاحتفالات الرسمية، جمع زعيم اليسار مانويل لوبيز أوبرادور أنصاره في ساحة الثقافات الثلاث، حيث هتف «ضد الحكم السيّئ الذي يتابع مسيرة الاستعمار والنهب». وأوبرادور، الذي خسر الانتخابات بفارق ضئيل أمام كالديرون ويشكك حتى اليوم في صحة انتخاب خصمه، ختم خطابه قائلاً «سننقذ المكسيك لأن الحق التاريخي هو إلى جانبنا».
والحديث عن استقلال المكسيك يفرض التوقف عند العلاقة مع الولايات المتحدة والعودة إلى الثورة المكسيكية التي تكمل هذه السنة قرنها الأول. ففي أواسط القرن التاسع عشر، ضمّت الولايات المتحدة نحو نصف مساحة المكسيك، بعضها بقوة السلاح وبعضها بقوة المال. وهكذا خسرت المكسيك ما يمثّل اليوم ولايات تكساس وكاليفورنيا وأريزونا وكولورادو ونيفادا ونيو مكسيكو وأوتا، ومعها مناجم الذهب وحقول الغاز والنفط التي ستمثّل أسس تصنيع جنوب الولايات المتحدة، ما يفسّر إلى حدّ كبير الفارق في النمو الاقتصادي والاجتماعي بين الجارتين.
وعام 1910، أطاحت الثورة المكسيكية الديكتاتور بورفيريو دياز، ووصل فرنسيسكو ماديرو إلى السلطة قبل أن يُغتال بوحي من السفير الأميركي. ونجح الرئيس لازارو كارديناس عام 1938 في تأميم شركات النفط الإنكليزية والأميركية، وسلّمت رئاسة فرانكلين روزفلت الأميركية بالأمر الواقع، لأنها «كانت عشية الحرب العالمية الثانية بحاجة إلى حلفاء لا إلى أعداء».
ومع إنشاء «نافتا»، أي السوق المشتركة الأميركية الشمالية التي تشمل الولايات المتحدة وكندا والمكسيك عام 1994، نما اقتصاد هذه الأخيرة، إلا أنه صار ملحقاً باقتصاد الولايات المتحدة، حيث تتوجه 80 في المئة من صادراتها.
ومع أزمة الاقتصاد الأميركي، كانت المكسيك أول من عانى من انكماش اقتصاد جارها. ولمناسبة مرور مئتي عام على الاستقلال، يرى الكثير من المكسيكيين أنهم نجحوا في التحرر من الإمبراطورية الإسبانية، إلا أنهم صاروا في الواقع ملحقين بـ«بيغ براذر» (الشقيق الأكبر) على حدودهم الشمالية.