نيويورك ـ نزار عبودفي قمة محاربة الفقر التي عقدت في نيويورك، تلبّدت الكلمات بغيوم العجوزات المتراكمة عبر عشرات السنين، ومن التملّص والتهرب من استحقاقات لا تقبل التأجيل، فإذا بالطبيعة، والأوبئة والأزمات المالية والاقتصادية تقتحم القاعات وتذكّر الجميع بأنّهم يعيشون على كوكب واحد، وأنّ الموارد محدودة، وعدد السكان يتزايد، والجشع لا يجتمع مع التنمية المتوازنة أو الأهداف القصيرة الأجل. وإذا كانت الصين والهند وبعض النمور الآسيوية قد نجحت في تقليص عدد الفقراء كثيراً بفضل النمو الاقتصادي الهائل الذي حققته حتى في زمن الأزمات، وبفضل هجمة القطاع الخاص للاستثمار في القفزات الاقتصادية تلك والاستفادة منها، فإنّ عدد الفقراء ينمو في أفريقيا وأميركا اللاتينية والشرق الأوسط وحتى في أوروبا والولايات المتحدة. ويمثّل هذا النمو تحدياً كبيراً لأهداف الألفية التي يقترب أجلها بسرعة. أهداف وضعت قبل عشرة أعوام لتقليص الفقر المدقع والقضاء على الأمراض إلى النصف في عام 2015 فضلاً عن حماية الطبيعة والمناخ وتعزيز التعليم.
قمة نيويورك التي حضرها نحو 140 ملكاً ورئيساً راجعت التقدم الذي تحقق حتى الآن. وشجّع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، في كلمته الافتتاحية، الحكومات على المضي قدماً في الإيفاء بالتزاماتها، «هنالك من قصص النجاح أكثر من أي وقت مضى... لكنّ الكثير منها لا يزال هشّاً وعقارب الساعة تمضي قبل استكمال كل شيء».
ونبّه الأمين العام من خطورة العودة إلى أنماط الممارسات الخاطئة التي اتّبعت في السابق، داعياً إلى زيادة التوجه نحو الاستثمار في البنى الأساسية من أجل دعم صغار المزارعين وتوفير الخدمات الاجتماعية الأساسية بمساواة للمواطنين.
وشدد الأمين العام على أهمية تحسين وضع المرأة خاصة، ولا سيما أنّ الكثير من الدول الفقيرة تعتمد على الأمهات اعتماداً أساسياً في إعالة الأسر، وهي التي تتحمل وزر الفقر مع أطفالها أكثر من بقية أفراد المجتمع.
وذكّر الأمين العام بأنّ العالم يمتلك المعرفة والموارد لكي يساعد البشرية على القضاء على آفات أساسية تهدد عيش الإنسان، كالجوع والمرض والجهل.
وحثّ جوزف دايس، رئيس الجمعية العامة الجديد، الدول المانحة والمجتمعات على التعاون الوثيق بحكم واجبها الأخلاقي لرعاية الضعفاء وضمان العيش الكريم لهم، محذراً «ليس من حقنا أن نفشل»، لكنّه أقرّ بأنّ الأزمة المالية قوّضت الكثير من الفرص لتحسين فرص النجاح وقلّصت الإنتاج العالمي كثيراً.
في المقابل، تعهّد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بالإيفاء بالتزامات بلاده، وقال إنّ بلاده تعدّ ثاني أكبر دولة تقدم مساعدات تنمية خارجية في العالم، قدّرها بعشرة مليارات يورو سنوياً. ووعد بزيادة دعم صندوق الأمراض الأساسية من ايدز ومالاريا وسلّ بنسبة 20 في المئة خلال السنوات القليلة المقبلة.
أما حيدر كريموف، رئيس جمهورية أوزبكستان، فقد وضع يده على الجرح الحقيقي، رابطاً بين الحروب والفقر. وقدّم الوضع في أفغانستان خير دليل. وحذر من أنّ مواصلة الحرب لن تقدم كسباً عسكرياً للقوات الأجنبية بل ستضاعف المآسي وتزيد البؤس في تلك الدولة. ورأى أنّ السعي إلى السلام في أفغانستان ووقف الحروب العدوانية يمثلان أفضل سبيل لمحاربة الجوع والمرض والتخلّف. وناشد كريموف الدول النافذة، بما فيها روسيا، إقامة تحالف حقيقي من أجل السلام بدلاً من التحالف العسكري القائم بين الدول من أجل الحرب.
منذ إعلان أهداف الألفية توفي 14 مليون طفل لإصابتهم بـ«الإسهال» بسبب المياه الملوّثة، حسب تقرير أصدرته منظمة «ووتر آيد» العالمية للتنمية. وطالبت المنظمة الزعماء بالتنبّه إلى أنّ نحو سبعة ملايين طفل سيتوفون قبل حلول 2015 بسبب هذا المرض البسيط. وقدّرت عدد الوفيات بين الأطفال في دول العالم الثالث بأربعة آلاف يومياً لعدم توافر مياه الشرب النظيفة. أما في أفريقيا، فالإسهال هو أكبر علة تفتك بالأطفال، بينما حثّت منظمة الصحة العالمية على التركيز على تحسين أوضاع دورات المياه والصرف الصحي ضمن أهداف الألفية لحماية سكان جنوب الصحراء في أفريقيا خاصة.
لكنّ شمعون بيريز، رئيس الكيان الإسرائيلي، رأى أنّ الإرهاب هو التهديد الأكبر لسكان العالم، في كلمته أمام الجمعية العامة. واستغلّ المناسبة لترويج إنجازات دولته، متجاهلاً الكوارث العسكرية والبيئية التي تسبّبها.
القمة العالمية تدوم ثلاثة أيام، ويُنتظر أن تنتهي بإصدار قرار كبير يرسم خريطة طريق ويحدد ثوابت تتعلق بالأهداف المنوي إنجازها.
ورغم مرور خمسة أعوام على قمة غلين إيغلز التي عقدت في اسكتلندا، لم تفِ الدول الغنية بكامل التزاماتها حيال الدول الفقيرة. المساعدات بلغت 120 مليار دولار العام الماضي، ولا تزال دون مستوى نسبة 0.7 في المئة من الناتج الإجمالي المحلي للدول المانحة الذي حدّد في تلك القمة.
وكان للأزمة المالية الأخيرة تأثير كبير على استعداد الدول المتقدمة لزيادة مساعداتها للدول الفقيرة. فهي تخفض ميزانياتها باستمرار وتعاني من عجوزات متفاقمة. وكرر العديد من المتحدثين التذكير بأنّه ينبغي ألّا تؤخذ الأزمة المالية ذريعة للتخلّي عن الالتزامات الأخلاقية والإنسانية.