ورشة عمل حكوميّة للتفاوض مع أوجلان... سياسيّاً وقضائيّاً وعسكريّاًأرنست خوري
انطلقت الخطّة الكردية لحكومة رجب طيب أردوغان فور خروج نتائج استفتاء 12 أيلول إلى العلن، وقد ظهرت أولى ترجماتها بتمديد هدنة حزب «العمال الكردستاني» التي كان يجب أن تنتهي في 20 أيلول الجاري، قبل أن تمدّد أسبوعاً يُرَجَّح أن يعود ويُمَدَّد بدوره. والخطة الحكومية الحالية إزاء الأكراد، لا تقوم على إعادة طرح مشروع «الانفتاح الديموقراطي» النائم في أدراج البرلمان، بل على حوار مباشر وحثيث مع جميع الأطراف المباشرين وغير المباشرين للنزاع: حزب العمال الكردستاني، وما يحلو للبعض تصويره على أنه جناحه السياسي، أي حزب السلام والديموقراطية، والمنظمات التي تدور في فلكه، أي «مؤتمر المجتمع الديموقراطي» الذي يمثّل 600 منظمة مدنية كردية، فضلاً عن حكومة إقليم كردستان العراق والإدارة الأميركية.
وكشفت صحيفة المعارضة «حرييت دايلي نيوز»، قبل يومين، عن أنّ قرار تمديد هدنة «العمال الكردستاني» كان تتويجاً لمساعٍ شاركت فيها أنقرة وواشنطن وأربيل، للوصول إلى هدف حكومة أردوغان القاضي بجعل هذه الهدنة «دائمة». والخطة الحكومية التركية الجديدة كُتبَت حروفها العريضة في خلال قمة أمنية ـــــ سياسية عُقدت يوم الأحد الماضي في العاصمة أنقرة، وبموجبها قسّمت الوظائف والأدوار على المسؤولين الأمنيين والسياسيين. وعلى أساسها، طار رئيس جهاز الاستخبارات هاكان فيدان إلى العاصمة الأميركية، حيث اجتمع مع نظرائه الأمنيين المعنيين بالملف الكردي في إدارة باراك أوباما. أما السفير التركي لدى العراق، مراد أوجليك، فقد أتمّ واجباته في أربيل مع رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني، الذي أمّن الدعم العلني للمساعي التركية، داعياً حزب عبد الله أوجلان إلى تمديد وقف إطلاق النار.
وداخلياً، دبّر نائب رئيس الحكومة التركي، حسين جليك، سلسلة مواعيد بين قادة «السلام والديموقراطية» و«مؤتمر المجتمع الديموقراطي» وأحد الرجال الأقوياء في الحكومة، النائب الآخر لرئيس الوزراء، كميل جيجيك ووزير العدل سعد الله إرغين. أما الأهم من كل ذلك، فهو أنّ قراراً رسمياً صدر للعودة إلى التفاوض السياسي مع أوجلان شخصياً. مهمّة أنيطَت، وفق الصحيفة الأقرب للحكومة «توداي زمان»، بخمسة أطراف هي: قيادة الاستخبارات ووزارتا العدل والداخلية وقيادة الشرطة ورئاسة أركان الجيش.
وتنبع القيمة الفعلية من فتح الفصل الجديد من المفاوضات مع أوجلان، من معطيات عديدة. أولاً، لأنّ الوفد المفاوض يضم في عضويته ممثلين عن وزارة العدل، وهو ما قد يحمل في طياته مؤشرات إلى إمكان تضمّن المفاوضات بنوداً تتعلق بمحكومية أوجلان (السجن المؤبَّد) أو بملف العفو العام عن مقاتلي وزعماء حزبه. النقطة الثانية المهمة هي أن وجود مندوبين عن وزارتين سياديتين يدحض كلام أردوغان عن أن «الحكومة لا يمكنها أن تفاوض الإرهابيين»، إنما مَن يستطيع ذلك هو «الدولة»، أي أجهزة الاستخبارات. وثالثاً، لأن الهبة الحكومية إزاء القضية الكردية تلي أسبوعاً من مقاطعة الأكراد المدارس التركية، واستفتاء 12 أيلول.
ووفق «توداي زمان»، لا يقتصر جدول أعمال المفاوضات مع آبو على شروط تجديد الهدنة، إنما تمتدّ فصوله لتصل إلى حقوق الأكراد في التعلّم بلغتهم وشروط العفو وتسليم السلاح. والأهم، الحديث عن دستور جديد بالكامل لتركيا. دستور جديد «يجب التفاوض مع الأكراد حول مضمونه ومنهجية طرحه أمام استفتاء شعبي»، بحسب ما قاله كميل جيجيك لزعيمي «السلام والديموقراطية» صلاح الدين ديميرتاش وغولتان كيشاناك.
ورغم مقتل تسعة أشخاص في انفجار لغم اتُّهم «العمال الكردستاني» بزرعه في محافظة هكاري، الأسبوع الماضي، تحوم في هذه الفترة، أجواء تفاؤل نادرة على الحوار الكردي ـــــ التركي، عبّر تلفزيون «أن تي في» عنها بالقول إن أوجلان يتصرّف بتفهّم غير مسبوق منذ اعتقاله عام 1999. كما أن أوجلان سرّب عبر محاميه السابق، حسيب كابلان، القيادي في «السلام والديموقراطية»، توقّعه بأن يجري التوصل إلى حل ديموقراطي للقضية الكردية، إضافة إلى كلام إيجابي قابله الرئيس عبد الله غول بالمثل من نيويورك، أمس.
وردّاً على سؤال عن موقفه من شرط الأكراد نيل حكم ذاتي لوقف نضالهم المسلَّح، كشف غول عن أنّ البرلمان يستعدّ للتصويت على رزمة قوانين لزيادة صلاحيات المحافظات التركية، وهو ما قد يكون أحد الحلول التي قد تبصر النور يوماً ما على اعتبار أنها لامركزية أو تشريع للأقاليم تحت أسماء مستعارة.