بول الأشقربعد أسبوع على وفاة «المونو جوجوي»، الزعيم العسكري لمنظمة «الفارك» اليسارية الكولومبية، تطفو على السطح جملة تساؤلات تبحث عن أجوبة: إلى أين يتجه الوضع في كولومبيا؟ هل يعود الرئيس الجديد خوان مانويل سانتوس إلى خطى سلفه و«عرّابه» ألفارو أوريبي، وهل ينتهي شهر العسل الذي بدأه تحديداً مع فنزويلا والإكوادور؟ ما الذي تستطيع «الفارك» أن تقوم به، وهل لا تزال قادرة على وقف تقهقرها؟
لم يكن من الممكن أن تقع «عملية سدوم» التي نفّذها الجيش الكولومبي على مقر زعيم «الفارك»، والتي أودت بحياته، في ظرف أفضل من ما توفر للرئيس الجديد سانتوس. فقد تلقى النبأ قبل لحظات قليلة من بدء خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقبل ساعات من لقائه بنظيره الأميركي باراك أوباما. أما داخلياً، فقد كانت كمائن «الفارك» الموجعة بدأت تعكّر شهر العسل بين الرئيس المنتخب وناخبيه، وكان جزء منهم بدأ يرى في سياسة «الباب المفتوح» تهديداً لما بناه سلفه أوريبي. أتت «سدوم» لتلجم هذا التساؤل، ولتثبت أن لا تغيير في السياسة الدفاعية بين عهدي سانتوس وأوريبي، ما يعطي سانتوس هامشاً أوسع في التمايز عن الرئيس السابق في المواضيع المحيطة بالحرب، مثل توزيع الأراضي أو التعويض للضحايا أو العلاقة مع القضاء. خارجياً، سارعت الإكوادور إلى الترحيب بالعملية، وبإقفال حدودها أمام الفارّين، لأنها أُبلغت مسبقاً بها، وخصوصاً لأنها جرت على الطرف الكولومبي من الحدود لا على أراضيها كما حصل في العملية التي أودت بحياة راوول ريّس عام 2008.
أكثر من ذلك، لا يزال الرئيس الإكوادوري رافائيل كوريا، يراهن على إعادة العلاقات الدبلوماسية مع بوغوتا قبل نهاية السنة الجارية. أما الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز، الذي أعاد تطبيع العلاقات مع كولومبيا غداة تسلم سانتوس الرئاسة، فكان مشغولاً بانتخاباته، واكتفى بالقول إنه «لم يتعود الفرح من موت أي كان»، وستجمعه قمة مع سانتوس الشهر المقبل في فنزويلا، لـ«التطبيع الدافئ» بينهما.
من طرف «الفارك»، التي دعت سانتوس من دون جدوى إلى التفاوض ومنظمة «الأوناسور» إلى الاستماع لوجهة نظرها، فقد تلقت ضربة قاسية، وصفها سانتوس بأنها «أهم من تلك التي نجحت في التخلص من راوول ريّس».
جميعها عمليات تدل على أنّ خرق صفوف «الفارك» متواصل، وأن «المونو جوجي» يرمز إلى منظمة لم يعد لديها إلا أداء عسكري أكثر فعالية من جهازها الدبلوماسي الذي كان يتجسّد بريّس، وحتى بزعيمها الحالي أفونسو كانو.
كذلك تؤكد هذه العملية أنّ هالة مناعة سكريتاريا «الفارك» قد سقطت نهائياً. فخلال عقود، لم تتحكم بوغوتا بأي من الأعضاء السبعة للسكريتاريا. وخلال عامين ونصف العام، اغتيل ثلاثة منهم، عدا عن اعتقال أحدهم عام 2004، والوفاة الطبيعية للمؤسس مانويل مارولاندا عام 2008. بعد مقتل «المونو جوجي»، أصدرت قيادة «الفارك» بياناً قالت فيه إنها «تبحث عن فرصة للسلام لا للاستسلام»، وعيّنت خلفاً لزعيمها العسكري في السكريتاريا وآخر على الجبهة الشرقية. لم يعد ممكناً أن تقلب «الفارك» مسار تقهقرها، من دون أن يعني هذا الكلام حتى اللحظة تغيّراً جذرياً في الوضع الكولومبي المعقَّد. هنا أيضاً، يبدو تقويم سانتوس دقيقاً: «إنها بداية النهاية». أول من أمس، دعا المدعي العام – معقل للأوريبية – إلى تجريد بييداد كوردوبا، الشيخة الليبرالية المحترمة دولياً وصديقة هوغو تشافيز، من حقوقها السياسية لفترة 18 سنة لتواطئها مع «الفارك» عندما كانت مكلفة للتوسط معهم لإطلاق الرهائن. إنها بالتأكيد فرصة جديدة لسانتوس سيرحّب بها لتحسين علاقاته مع جيرانه والمجتمع الدولي، مستغلاً التمايزات المتزايدة مع عرابه.