يلحق انزلاق المجتمع نحو توجهات «محافظية جديدة»باريس ــ بسّام الطيارة
بكل بساطة، أعلن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، في نهاية الأسبوع الماضي، إمكانية نزع الجنسية عن «بعض الفرنسيين» من أصول مهاجرة، في سياق إجراءات قاسية لمحاربة الجريمة وجنوح الأحداث والهجرة غير الشرعية.
الإعلان جاء في إطار خطاب ألقاه في مدينة غرونوبل (جنوب شرق)، التي شهدت أعمال شغب قبل أسبوعين بسبب مقتل شخص من أصل عربي كان يحاول الفرار من الشرطة. الرئيس الفرنسي شدد على أن «الانهيار في المجتمع الفرنسي يعود إلى الهجرة». وقال بلغة مفعمة بالتحدي: «نحن نعاني من خمسين عاماً من قوانين الهجرة اللينة التي أدت إلى الفشل في اندماج» المهاجرين. ووعد بـ«شن حرب» على العنف، مضيفاً أنه يجب «نزع الجنسية الفرنسية عن أي شخص يهدد حياة ضابط شرطة أو ممثل للدولة يشارك في حفظ النظام».
قد يكون هذا الخطاب القوي قد أثلج صدر بعض أفراد الشرطة في غرونوبل، الذين تلقّوا تهديدات بالقتل منذ أعمال الشغب، إلا أنه أثار موجة استياء لا سابق لها في الأوساط السياسية.
يكفي الالتفات إلى عناوين الصحف: «ليبراسيون» وصفت التوجه بعنوان «خنجر في ظهر الجمهورية»، بينما صوبت مجلة «الإكسبرس» نحو الأهداف السياسية للخطاب بعنوان يختصرها «ساركوزي يعود إلى شيطنته السابقة». وزادت «لوموند» من التوضيح بعنوان صريح «ساركوزي يصطف وراء طروحات الجبهة الوطنية»، فيما وصفت الأسبوعية «جورنال دو ديمانش» الخطاب بأنه «جدلي». صحيفة «فيغارو»، المقربة من الحكم، عنونت «حرب وطنية على الجنوحية»، إلا أنها لم تستطع إلا أن تشير إلى ردات الفعل المناوئة لهذه المقاربة العنصرية لحفظ الأمن.
من الحزب الاشتراكي خرج الناطق باسمه بنوا هاموا لينتقد: «بتنا نرى أن الرئيس لا يعرف ماذا يخترع لاسترداد ناخبيه». وذهب رئيس حزب الوسط الليبرالي «موديم»، فرانسوا بايرو، في التحليل نفسه، قائلاً «ليس عند ساركوزي سوى هدف واحد: أن يفعل مثل مارين لوبن لاسترداد أصوات».
أما مارين لوبن، ابنة جان ماري لوبن التي تستعد لـ«وراثة» رئاسة الجبهة الوطنية المتطرفة، فتطلب من قاطن الإليزيه المزيد: «طرد فوري لكل الجانحين بعد نزع جنسيتهم، وتغيير قانون التجنس، ووقف فوري لتدفق الهجرة»، قبل أن تصف تصريح ساركوزي بأنه «حركات لا قيمة لها».
في الواقع فإن هذا هو ما يخيف الجمعيات الناشطة، وفي مقدمتها «منظمة محاربة العنصرية من أجل الصداقة بين الشعوب»، التي قالت إن هذا الخطاب «يعطي شرعية للقوى المتطرفة العنصرية». ونددت «جمعية حقوق الإنسان الفرنسية» العريقة بما جاء على لسان ساركوزي، وقال رئيسها الفخري ميشال توبيانا إن حديث ساركوزي «يذكِّر بلازمة خطابات الثلاثينيات»، في إشارة إلى نزع جنسيات مواطنين يهود قبل تسليمهم لقمة سائغة إلى النازيين إبان الحرب. ووصف الخطاب بأنه «يسعى إلى دمج صورة الأجنبي والفرنسيين من أصول مهاجرة مع الجنوحية واستهداف هذه المجموعات بحجة أنها تأكل خبز الفرنسيين». حتى «اتحاد طلبة فرنسا اليهود» ندد بالطروحات الساركوزية بطرد الغجر وعبر عن «ذهوله». أما «المنظمة الدولية ضد العنصرية واللاسامية» فأشارت في بيان لها إلى أن خطاب ساركوزي يريد أن يخلق «مواطنين من درجة ثانية، ما يمثّل انتهاكاً لمبادئ المساواة».
أما المتخصص في الشؤون الدستورية غي كاركاسون، وبعدما ذكّر بأن المجلس الدستوري الذي سمح عام ١٩٩٦ (بعد سلسلة التفجيرات الإرهابية وسط باريس) بسن قانون يسمح بنزع الجنسية «بسبب أعمال إرهابية»، فاستند إلى المادة الأولى من الدستور الفرنسي التي «تضمن المساواة بين المواطنين من دون أي تمييز للأصل أو للعرق أو للدين» للتشكيك بأن يسمح بنزع الجنسية بسبب جرائم الحق العام. رغم موجة الاستنكار هذه، فإن كل الإشارات تدل على أن «الرئيس لن يغير سياسته قيد أنملة»، فالدوافع ليست فقط مصالح انتخابية، إذ هناك «بعض الأيديولوجية» في هذه الطروح. ويجب التذكير بأن أول من طرح مسألة طرد «المهاجرين» كان شارل باسكوا «معلم ساركوزي السابق»، الذي اشتهر بتصريح أطلقه في ١٤ تشرين الأول ١٩٩٣، أي قبل ثلاث سنوات من تفجيرات باريس الإرهابية، قال فيه «إن أصعب ما يواجه المجتمع الفرنسي هو دمج الهجرة الآتية من أفريقيا، وخصوصاً شمال أفريقيا» المغاربية. بالطبع فإن اليمين الفرنسي منذ ثلاثة عقود «يذوب بالتطرف»، وهو ما أسس لأيديولوجية الرئيس الحالي. فالجميع يذكّر بأن برنامجه الانتخابي حمل بصراحة ما فعله ويستعد لفعله: جعل كوتا سنوية للهجرة إلى فرنسا والتشدد في جمع العائلات المهاجرة وإنشاء وزارة للهوية الوطنية. وقد فعل ساركوزي ما قاله، وها هو ينطلق في مسيرة جديدة ويود الذهاب أبعد في الاتجاه نفسه، إذ يقول البعض إن حسه السياسي يشير له بأن «أكثرية فرنسية تنحو هذا النحو» فهو لا ينزلق كما تتهمه المعارضة بل يلحق انزلاق المجتمع نحو توجهات «محافظين جدد».
لذا بالرغم من موجة التنديد، خرج وزير الداخلية بريس هورتوفو، المقرب جداً من الرئيس، والذي حُكم عليه بغرامة بسبب تصريحات عنصرية، بمقابلة أمس (الأحد) يؤكد فيها أن نزع الجنسية يجب أن يطال أيضاً من يعمد إلى «تجارة الرق الأبيض أو تعدد الزوجات وحتى من يعمد إلى ختان البنات».
وقد أكد أحد العاملين في وزارة الهجرة والهوية الوطنية لـ«الأخبار» أن الوزير إيريك بيسون يعمل على مشروع قانون لتشديد شروط الهجرة والحصول على الجنسية «تذهب في اتجاه ما طالب به الرئيس» وأن المشروع سيكون حاضراً في مطلع الخريف بعد العطلة.


من هو أكثر فرنسيّة؟