تريُّث الحوثيين في المشاركة وتغييب الحراك الجنوبي يزيدان الشكوك في إمكان نجاحهجمانة فرحات
شهدت انطلاقة أولى الجلسات التحضيرية لانعقاد الحوار الوطني في اليمن بين حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم والمعارضة، الممثلة بأحزاب اللقاء المشترك، انتكاسة بعد رفض المعارضة الاستجابة لدعوة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح لبدء الجلسات، معلنةً رغبتها في التنسيق المسبق في موعد وجدول أعمال الاجتماع، لا تفرد الحزب الحاكم بتحديد المواعيد.
وكان يفترض باجتماع الأمس أن يمثّل أولى الخطوات باتجاه تنفيذ ما اتُّفق عليه الشهر الماضي بين الجانبين للعمل على وضع آلية لتنفيذ اتفاق شباط 2009. فالاتفاق الذي وُقِّع العام الماضي يدعو إلى الحوار بشأن التعديلات الدستورية والقانونية اللازمة لمعالجة عدد من القضايا الساسية، وفي مقدمتها إجراء وتنظيم عملية الانتخابات النيابية المقبلة التي يفترض أن تجري في شهر نيسان وتأليف آلية عمل اللجنة العليا للانتخابات.
إلا أنه منذ توقيع الاتفاق في العام الماضي طرأت تطورات عددية على الساحة اليمنية كان لا بد أن تفرض نفسها على أي حوار يمني، نظراً لما تمثّله من خطورة على مستقبل اليمن.
ويمكن تلخيص هذه التطورات في ثلاثة: الأول، عودة حرب صعدة إلى واجهة الأحداث، ولا سيما مع دخول الطرف الإقليمي عاملاً أساسياً فيها، ما دفع اللقاء المشترك إلى تضمين قائمة ممثليه في الحوار الوطني المقبل عدداً عن ممثلي الحوثيين، وفي مقدمتهم الممثل الشخصي لعبد الملك الحوثي، صالح هبرة، والمفاوض يوسف الفيشي، إلى جانب المتحدث الرسمي باسم الحوثيين، محمد عبد السلام.
أما التطور الثاني، فيتمثل في معاودة تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» نشاطه على الساحة اليمنية، بامتدادات إقليمية ودولية، جعلت الأنظار الغربية تتركز على اليمن. ودفعت الولايات المتحدة إلى مضاعفة مساعدتها لصنعاء لتصل إلى 300 مليون دولار بعدما كانت محددة بـ165، على أن تستعمل لمحاربة التنظيم، لا الحوثيين.
يشهد سعر الريال اليمني هبوطاً هو الأول من نوعه أمام الدولار
وتأسيساً على خطورة التنظيم وضرورة احتوائه، قرر اللقاء المشترك ضم الوزير السابق، ناصر العولقي، لقائمة ممثليه في الحوار، على اعتبار أنه والد الإمام المتشدد أنور العولقي، الذي تطالب به الولايات المتحدة حياً أو ميتاً بعد اتهامه بالتورط في حادثتي قاعدة فورت هود ومحاولة تفجير طائرة أميركية في الخامس والعشرين من كانون الأول الماضي، وبات بمثابة منظّر القاعدة في اليمن.
ثالثاً، وربما الأهم، يتمثل في تصعيد الحراك الجنوبي من وتيرة احتجاجته في المحافظة الجنوبية طلباً لفك الارتباط عن الشمال.
وعلى الرغم من مشاركة 200 شخصية في الحوار، نصفهم من المعارضة، إلا أن التأجيل الذي طرأ على أول جلساته زاد من هواجس المشككين في إمكان التوصل إلى تسوية تنهي حالة الاحتقان السياسي والأمني في البلاد، على الأقل في المدى المنظور، ولا سيما أن سقف مدة الحوار غير محددة بمهلة زمنية.
وما زاد من المخاوف، إعلان الحوثيين أنهم سيتريثون في المشاركة، على الرغم من موافقة الرئيس اليمني للمرة الأولى على حضورهم في الحوار. وربط الحوثيون بين المشاركة وتوضيح مضمون اتفاق شباط وتفاصيله، على اعتبار أنه اتُّفق عليه ليكون مرجعية للحوار.
كذلك كان لافتاً استثناء اللقاء المشترك، الذي يضم فصائل معارضة عدة منها حزب الإصلاح والحزب الاشتراكي اليمني، ويعول عليه ليكون بمثابة الصوت الآخر في جلسات الحوار الوطني، أي من ممثلي الحراك بحجة أن «الحراك الجنوبي، حتى الآن، مجرد شعارات، وليس من جهة حتى الآن حتى نتحاور معها». مع ما تعنيه هذه الخطوة من تعمد عدم طرح جدي لقضية الجنوب، ولا سيما أنه كان من الممكن الاستعاضة عن ممثلي الحراك الذين يطالبون بالانفصال بشخصيات جنوبية ذات وزن سياسي من أمثال الرئيس اليمني السابق علي ناصر تكون قادرة على طرح هواجس أبناء الجنوب وتقديم تصورهم لأي حل محتمل.
يضاف إلى ذلك، الخلافات بين ممثلي المعارضة التي بدأت تطفو إلى السطح مع إعلان رئيس اللجنة التحضيرية للحوار الوطني التابعة لأحزاب اللقاء المشترك، محمد سالم باسندوة، انسحابه من الحوار، إلى جانب عضو اللجنة التحضيرية للحوار، الشيخ علي بن شنظور، فيما أعلن وزير الدفاع السابق، اللواء عبد الملك السياني، انسحابه بدوره على اعتبار أنه لم يكن على علم مسبق بإشراكه.
كذلك، جاء إعلان وفاة القيادي في حزب الزعيم اليمني المعارض، عبد الرقيب القرشي، متأثراً بجروحه بعد تعرضه لمحاولة اغتيال الشهر الماضي، بعدما كان من أوائل الذين عادوا إلى اليمن عقب منح الرئيس اليمني عفواً عن السياسيين المعارضين، ليكون اغتياله بمثابة رسائل تحذيرية للعديد من القيادات المعارضة في المنفى، تثنيهم عن العودة إلى اليمن والمشاركة في الحوار.
في هذه الأثناء، يبدو الرئيس اليمني، أكثر رغبة في التعويل على دور قطري لاحتواء الجبهة الشمالية، بعدما ناشد للمرة الثانية في غضون أسبوعين قطر «إقناع الحوثيين بالالتزام بما اتُّفق عليه في اتفاق الدوحة» لعام 2008، إلى جانب الالتزام بالنقاط الست التي وضعت حداً للحرب السادسة، ولا سيما البند المتضمن عدم الاعتداء على الأراضي السعودية. مناشدة يبدو أنها وجدت صداها وسط حديث عن أداء الدوحة دوراً في التوصل إلى تهدئة على جبهات القتال بعد أيام من التصعيد في صعدة وجوارها.
ويبدو أن التهدئة على الساحة السياسة اليمنية لا غنى عنها، ولا سيما أن الأوضاع السياسة المتأزمة إلى جانب السياسات النقدية الحكومية باتت تؤثر سلباً على الوضع المالي في اليمن. إذ يشهد سعر الريال هبوطاً هو الأول من نوعه أمام الدولار وصل إلى 255 ريالاً، ما انعكس ارتفاعاً لأسعار المواد الغذائية بلغ أكثر من 28 في المئة، لترتفع معه معاناة المواطنين اليمنيين الذين يعاني أغلبهم من الفقر.