مرّ كباش التعيينات في صفوف الجيش التركي بأقل خسارة ممكنة. نقاط المواجهة بين الحكومة والقيادة العسكرية حُسمَت لمصلحة الحكومة، لكن من دون إهانة الجيش الذي بدا أنه نال «ترضية» من خلال تأجيل توقيف ضبّاطه
أرنست خوري
انفرجت، قبيل منتصف ليل الأحد ـــــ الاثنين، الأزمة التي هيمنت على الساحة التركية الداخلية منذ يوم الأربعاء الماضي. عُيِّنَ الجنرال عشق كوشانر (65 عاماً) رئيساً لأركان الجيش، والجنرال إردال جيلان أوغلو (65 عاماً) قائداً للقوات البرية. الأول كان، منذ البداية، المرشح الأقوى لتولي المنصب، لكن جيلان أوغلو كان موضوع العقدة المستعصية بين الحكومة والمؤسسة العسكرية. ولم يكن ممكناً تعيين رئيس الأركان قبل الاتفاق على قائد للجيش البري، بما أنّ كوشانر هو الذي كان يشغل هذا المنصب قبل ترقيته، ليل أول من أمس، ليخلف الجنرال إلكر باسبوغ.
وللمرّة الأولى في التاريخ الحديث لتركيا، تستعمل حكومة مدنية صلاحياتها الفعلية في التوقيع على تعيينات عسكرية. صلاحية بقيت رمزية تاريخياً، إذ في العادة، كانت تصل لائحة التعيينات العسكرية إلى مكتب رئيس الحكومة ووزير دفاعه اللذين كانا يوقّعان عليها كـ«فرْض واجب» ليس أكثر. كان الأمر العسكري يسري على المدنيين قبل العسكريين. غير أنّ نسخة اجتماعات المجلس العسكري الأعلى لعام 2010 حملت جديداً نوعياً تجسّد برفض رئيس الوزراء، رجب طيب أردوغان، بمؤازرة نوابه ووزرائه ورئيس جمهوريته وبعض الضباط المحسوبين عليه، التوقيع على تعيين الجنرال حسن إغسيز في منصب قيادة الجيش البري الذي يُعدّ المركز الأهم من بعد رئيس الأركان في جيش المليون جندي. لماذا عقدة إغسيز؟ إنه واحد من بين 11 ضابطاً كبيراً لا يزالون في الخدمة، ممن كان من المفترض ترقيتهم في اجتماع المجلس العسكري الأعلى، رغم صدور مذكرات توقيف أو استجواب بحقهم أو استدعاءات بتهم التورط، من قريب أو بعيد، بقضايا «إرغينيكون»، و«خطة المطرقة» للانقلاب على الحكومة.
ومنذ صدور مذكرات التوقيف بحق الضباط الـ102 في 23 تموز الماضي، صارت الأعين مشدودة نحو الاجتماع السنوي للمجس العسكري الأعلى الذي يُعقَد في مطلع شهر آب من كل عام، لأربعة أيام، ليخرج بتعيينات وترقيات وبخريطة طريق لعمل الجيش في العسكر والسياسة لعام كامل.
وبالفعل، عقد المجلس اجتماعاته بين 1 و4 آب الجاري وسط ترقّب الجميع لمعرفة ما إذا كان سوف يعيّن أو يرقّي أحد الضباط الذين تحوم حولهم شكوك أو تهم رسمية بالتورط بالمخطّطات التخريبية والانقلابية. ما حصل أنّ الاجتماعات العسكرية انتهت يوم الأربعاء من دون تعيين قائد للجيش البري ورئيس للأركان. المؤسسة العسكرية، يتقدّمها رئيس الأركان السابق إلكر باسبوغ، أصرّت على اسم حسن إغسيز لقيادة الجيش البري، وعيّنته بالفعل، لكنّ أردوغان رفض، في سابقة تاريخية، التوقيع على القرار، متمسكاً بخيارَيه: إما إردال جيلان أوغلو، أو الجنرال أتيلا عشق. وحصلت المفاجأة عندما تقدّم عشق باستقالته، وهو ما فُسِّر بتعرّضه لضغوط كبيرة من قيادة الجيش بهدف إفساح المجال أمام إغسيز، رغم نفي عشق نفسه تعرُّضه للضغوط، جازماً بأنه استقال لأسباب شخصيّة بحتة.
بقي الوضع على هذا النحو خمسة أيام، تخلّلتها اجتماعات كثيرة وعروض عديدة للاتفاق على اسم يكون بمثابة «حل وسط» كالجنرال نجدت أوزل لقيادة الجيش البري مثلاً. عروض فشلت لسببين: تمسّك أردوغان بأحد مرشّحيه أولاً، والأهم، وللمرة الأولى ربما، بسبب نيل رئيس الحكومة دعماً كبيراً من عدد من الجنرالات الكبار من داخل المجلس العسكري الأعلى.
بقيت الأمور على حالها حتى ليل الأحد، حين خرج نبأ تعيين كوشانر وإغسيز بعد اجتماع طويل عُقد في قصر شنقايا الرئاسي بين الرئيس عبد الله غول وباسبوغ ووزير الدفاع وجدي غونول.
إذاً، فازت حكومة أردوغان بنقطة ثمينة في معركتها ضد الدور السياسي للعسكر. لكن ألم يكن هناك من «ثمن» دُفع للجيش كي يقبل بالاستغناء عن إغسيز؟
بعض التقارير تشير إلى أنّ هناك بالفعل «ثمناً» قد دُفع، هو أشبه بالمقايضة أو الصفقة. فبعد ظهر يوم الجمعة الماضي، قبلت المحكمة الجنائية في إسطنبول طلبات استئناف المحامين الموكّلين عن الضباط الـ102، الصادرة بحقهم مذكرات التوقيف. قُبلت طلبات الاستئناف أي أنّ توقيف الضباط قد أُجِّلَ، في خطوة أشبه بأفلام التشويق. ففور وصول طلبات الاستئناف إلى المحكمة الجنائية الحادية عشرة لإسطنبول، أُحيل رئيس المحكمة، القاضي بولنت أقسام إلى إجازته الصيفية واستُبدل بقاضٍ آخر سارع إلى قبول جميع الطلبات.
لا يتوقّع المراقبون أن يدوم تأجيل التوقيف طويلاً، لكنه قرار قد يحفظ شيئاً من ماء الوجه بالنسبة إلى الجيش الذي خسر، باستغنائه عن تعيين إغسيز، أكثر مما ربح من خلال تأجيل توقيف ضباطه المتهمين.