أعلن وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس خفض عدد موظفي وزارته ومتعاقديها ابتداءً من العام المقبل. خطوة أثارت ارتياحاً لدى البعض، فيما عارضها آخرون خوفاً من زيادة البطالة والخطر على البلاد
ديما شريف
ما الذي يمكن أن يفعله مبلغ 250 مليون دولار أميركي في مقابل رقم آخر هو 700 مليار دولار؟ تساؤل مشروع يمكن حمله إلى وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس، الذي أعلن مساء الاثنين خفض عدد موظفي الوزارة وملحقاتها من متعاقدين ومدنيّين وعسكريين بمعدّل سيوفر 250 مليون دولار في السنة على الخزينة الأميركية. مبلغ يبدو تافهاً جداً حين يقارَن بموازنة الوزارة التي بلغت هذا العام 548 مليار دولار، من دون كلفة الحرب في العراق وأفغانستان، وسترتفع إلى 700 مليار العام المقبل.
الخفض، الذي يبدأ العام المقبل، سيشمل كل موظفي الوزارة، وفي مقدمتهم العسكريون. إذ ستُلغى 200 وظيفة عسكرية يقوم أصحابها بأعمال متشابهة. كما سيُعتمَد مبدأ التآكل الوظيفي. أي إنّه كلما انتهي عقد أحد المتعاقدين الخاصّين اختفى المنصب بكل بساطة، للوصول إلى خفض عدد هؤلاء بنسبة 10 في المئة خلال السنوات الثلاث المقبلة. وهذا الموضوع سيطاول أكثر من ثلاثة آلاف منصب يشغلها متعاقدون في مركز قيادة القوات المشتركة في نورفولك في ولاية فيرجينيا الذي سيلغى. المركز هو واحد من عشرة مراكز منتشرة على الأراضي الأميركية ويختص بإيجاد الأرضية المشتركة لفروع الجيش لتعمل معاً. ويعمل في المركز الذي تأسس عام 1999 نحو ستة آلاف موظف، 2800 موظف عسكريّ ومدنيّ حكوميّ، ونحو 3300 متعاقد من القطاع الخاص. وقال غيتس، مبرّراً قراره إغلاق المركز، إنّه يعتقد أنّ «تدريب القوات المشتركة وإيجاد عقيدة مشتركة لها مهمّتان مفيدتان جداً، لكنّهما لا تتطلبان مركزاً منفصلاً يديره شخص يحمل أربع نجوم ويكلف أموالاً طائلة».
لا تتطلّب إصلاحات غيتس موافقة الكونغرس، ويتوقع تمريرها لأنّ أوباما موافق عليها
واستباقاً لأيّ رد فعل على الستة آلاف وظيفة التي ستفقدها الولاية بعد إغلاق المركز، وزيادة عدد العاطلين من العمل، قال غيتس «قد تستطيع فيرجينيا أن تجد وظائف أكثر ممّا ستفقد، إذ إننا سنعيد توظيف المال في أماكن أخرى». هذه الأماكن الأخرى هي بناء سفن جديدة للقوات البحرية، الذي يجري عادةً في إحدى مدن الولاية.
وقال غيتس، الذي ورثه الرئيس الأميركي باراك أوباما من سلفه جورج بوش الابن، إنّه لاحظ وصول عدد الموظفين الذين يعملون لدى الوزير مباشرةً إلى ألف شخص في العقد الماضي، بزيادة قدرها 50 في المئة. ولذلك فهو قرر تجميد عدد الموظفين في الوزارة ومراكز الوحدات العسكرية لمدة ثلاث سنوات.
واكتشف غيتس، أثناء مراجعة عمل وزارته، مساهمة الكونغرس في التضخم المالي فيها، إذ يطلب هذا الأخير دراستين من الوزارة في اليوم الواحد، ما يزيد من العبء المالي والتوظيفي. وأوضح أنّ مدير الاستخبارات الوطنية الجديد جايمس كلابر سيُجري مراجعة عامة للوكالات الاستخبارية لتفادي الازدواجية في العمل.
هذا القرار يأتي بعد أسابيع على نشر صحيفة «واشنطن بوست» تحقيقاً كبيراً عن التضخم الاستخباري في وزارة الدفاع منذ أحداث 11 أيلول 2001. وقدّرت الصحيفة آنذاك أنّ هناك ما يقارب 1.2 مليون متعاقد في البنتاغون، مقابل إصرار الوزارة على أنّها لا تتعاقد مع أكثر من 766 ألف شخص. كما أنّه يأتي بعد شهور عدّة على قرار سابق لغيتس أراد خلاله توفير 100 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة من ميزانية وزارته، لكن يبدو أنّه اكتشف أنّها مهمّة صعبة فقرّر خفض المبلغ والجهود.
رغم إصرار غيتس على أنّ الخفض لن يطاول الجنود والقوات المشتركة في الحروب الأميركية حول العالم، فإنّ قراره أثار اعتراضات من الجمهوريين والديموقراطيين على السواء. فالسيناتور الديموقراطي من فيرجينيا، جيم ويب، اعترض على القرار قائلاً «لا يجوز أن نقوم بتحسين الفعالية في ميزانية وزارة الدفاع على حساب القيادة، التي تتولى مهمة مستقبل عقيدتنا العسكرية... سيكون ذلك مضراً بقدرات أهم جيش في العالم». أمّا حاكم الولاية، الجمهوري بوب مكدونيل، فأعلن أنّه سيحارب «القرار الذي اتُّخذ بسرية تامة ودون مشاورة أحد». لكن يبدو أنّ الاعتراضات لن تلقى صدى لدى أحد، وخصوصاً أنّ القرار يمكن تمريره بموافقة الرئيس دون موافقة الكونغرس. ومباشرةً بعد خطاب غيتس صدر بيان عن البيت الأبيض أعلن فيه أوباما أنّ قرار وزير دفاعه «خطوة إضافية في جهود الإصلاح لتخفيف الأكلاف وتحسين الطريقة التي يعمل بها البنتاغون». وأضاف إنّ المبالغ التي ستوفَّر ستساعد على القيام باستثمارات جديدة لتحديث الجيش.
ماذا عن الجنرال راي أوديرنو الذي سيتولى رئاسة مركز قيادة القوات المشتركة في نورفولك؟ «سأجد له وظيفة جديدة أفضل من هذه حين يُغلَق المركز»، قال غيتس.