هجوم على انتقادات لجنة الأمم المتحدة... وتشكيك في أهليّة أعضائها باريس ــ بسّام الطيارة
أصابت الدهشة الوفد الفرنسي المشارك في لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري من حدة الانتقادات التي وجهت إلى بلاده بسبب تقاعسها عن إيجاد سياسة للحد من تصاعد العنف.
وجاء اجتماع اللجنة، التي تضم ١٨ خبيراً يمثلون ١٦٥ دولة، بعد أقل من أسبوعين على خطاب الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، الذي تعهد فيه بسن قوانين نزع الجنسية الفرنسية عن الجانحين من أصول أجنبية وطرد الغجر والسكان الرحل والعمل على إعادتهم إلى المجر وبلغاريا.
واتخذ النقاش التقني، خلال اليومين الماضيين، منحى سياسياً بعد تصريحات ساركوزي. وقدم الوفد الفرنسي تقريراً يعدد الإجراءات الفرنسية للحد من سياسة العنف وتضمنت الإعلان عن إطلاق خطة وطنية مرتقبة بشدة لمكافحة العنصرية. وهي إجراءات جاءت استجابة لتقرير أولي من اللجنة الأممية عام ٢٠٠٥ انتقد آنذاك بعض القوانين الفرنسية التي صدرت حين كان ساركوزي في منصب وزير الداخلية.
ورحب خبراء الأمم المتحدة بالإجراءات الجديدة، من دون أن يخفف ذلك من سيل انتقاداتهم للسلوك الفرنسي. وتساءل الخبير الجزائري، نور الدين أمير، عن ترحيل الغجر «كما لو أنهم لا ينتمون إلى الاتحاد الأوروبي؟»، مضيفاً «لا أفهم كيف يمكن بلداً أن يفرق بين مواطن من الدرجة الأولى وآخر من الدرجة الثانية» في إشارة إلى التهديد بنزع جنسية المدانين بقتل أفراد السلك الأمني أو بتعدد الزوجات. وزايد الخبير التركي غون كوت على أمير بقوله «لا أفهم معنى أن يكون هناك فرنسي من أصل أجنبي». وتساءل «عما إذا كان ذلك يتفق مع الدستور».
من جهته، انتقد الخبير التوغولي، كوكو ايومسان، فرنسا ووصفها بأنها تعيش «تصعيداً ملحوظاً للعنصرية ولمعاداة الأجانب»، بينما ندد البعض بالـ«خلط بين الغجر القادمين من دول أوروبية والرحَّل الفرنسيين» الذين يشكلون ٩٥ في المئة من المجموع العام.
أمّا بشأن «تصاريح التنقل» التي تخضع لرقابة الشرطة، فانتقدها ألياكوي شايدو من النيجر ووصفها بأنها «تذكر بعهد بيتان» إبان الاحتلال النازي لفرنسا.
واستدعت الانتقادات دفاعاً من الوفد الفرنسي، الذي رأى أن إجراءات بلاده تتم «وفقاً لمعاهدة انضمام رومانيا وبلغاريا» إلى الاتحاد الأوروبي عام ٢٠٠٧ والتي تسمح بوضع قيود لتنقل رعاياهما لمدة سبع سنوات. واعتبر أن ترحيل الغجر إلى موطنهم الأصلي «يتفق مع القانون الأوروبي» القاضي بحق أي دولة في إنهاء إقامة أشخاص ليس لهم وظيفة ويشكلون عبئاً اجتماعياً، رغم أن عدداً من الجمعيات الناشطة تعترض على هذا التفسير «القمعي» للمعاهدات الأوروبية. كذلك رفض الوفد الفرنسي الخوض في مسألة نزع الجنسية على أساس أن «القانون لم يسنّ بعد».
كذلك استدعت ملاحظات الخبراء هجوماً مضاداً من الحزب اليميني الحاكم في فرنسا، مديناً بشدة خبراء لجنة الأمم المتحدة، معتبراً أنهم «أناس يأتون من بلدان» لا تحترم حقوق الإنسان «وبعيدون كل البعد عن الواقع».
وفي تصريح لإذاعة «ار.تي.ال»، أعرب الناطق باسم الاتحاد من أجل حركة شعبية، دومينيك باييه، عن استغرابه لموقف هذه اللجنة، ولا سيما «تشكيلتها» التي تضم «أشخاصاً يأتون من دول لا تحترم حقوق الإنسان على الإطلاق».
كذلك، اعتبر نائب الحزب في الشمال، كريستيان فانيست، أن تشكيلة هذه اللجنة «في حد ذاتها تجعلها موضع شك»، مؤكداً أن «كل الدول التي تشكلها ليست مثالاً يحتذى في مجال الديموقراطية الحية ولا في احترام الأقليات». وأضاف إن «الجزائر وروسيا ورومانيا تعامل الغجر معاملة سيئة في بلادها ـــــ انظروا إلى حالتهم عندما ياتون إلينا». كما تحدث النائب أيضاً عن باكستان وتركيا.
أما وزير الشؤون الأوروبية، بيار لولوش، فشدد على أن فرنسا حريصة على «ضمان الحريات السياسية»، لافتاً إلى أن كل السياسات التي تتبعها فرنسا حالياً تستهدف «حماية حق المرأة في المساواة وحماية الأشخاص الأكثر ضعفاً من تجارة الرقيق» في إشارة إلى تعدد الزوجات في بعض الأوساط الإسلامية. واستطرد بالقول إن فرنسا حريصة أيضاً على «حماية الحق في الأمن» الذي يعدّ «في طليعة حقوق الإنسان»، وهو ما رأى فيه بعض المراقبين أنه تشديد على «الشق الأمني» للإجراءات التي وعد بها ساركوزي في محاولة لاستمالة أصوات اليمين المتطرف وسط شعور القلق الذي ينتاب المواطن الفرنسي نتيجة ارتفاع نسبة الجرائم والسرقات والعنف الحضري. كذلك رأى الخبراء في التصريحات محاولة لـ«تطويع القوانين والإجراءات لأهداف سياسية».
وقد لخص هذا الشعور مقرر الجلسة في لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري، الأميركي بيار ريشارد بروسبر، بقوله «ما ينقص فرنسا هو إرادة سياسية حقيقية» تذهب في اتجاه محاربة العنصرية.