واشنطن ــ محمد سعيدوسّعت الولايات المتحدة أخيراً من عملياتها العسكرية والاستخبارية السرّية في عدد من بلدان العالم في إطار ما تسميه الحرب على الإرهاب، لتصل إلى الصحراء الأفريقية الكبرى وبلدان المغرب العربي ومنطقة القرن الأفريقي مروراً بجمهوريات في آسيا الوسطى، إضافةً إلى جبال أفغانستان وباكستان، بحسب ما أكّد مسؤولون أميركيون رفيعو المستوى.
وقال هؤلاء المسوؤلون إنّ حرب أميركا السرية، التي سمّتها صحيفة «نيويورك تايمز» «حرب الأشباح»، إنما تستهدف درء مخاطر جماعات ترى حكومة الرئيس الأميركي باراك أوباما أنّها جزء من تنظيم «القاعدة»، أو مرتبطة به بصورة عضوية، أكان من حيث الأفكار والمعتقدات أم لجهة العداء للأميركيّين والغرب.
وتعتمد حرب أميركا السرّية الجديدة في قارتي أفريقيا وآسيا إلى حد كبير على طائرات الاستطلاع المتطورة من دون طيارين، ومجموعات من القوات الخاصة «كوماندوز»، كما تعتمد على تجنيد عملاء سرّيين محليين في المناطق التي تخوض فيها الولايات المتحدة حربها ضدّ كل ما يمتّ إلى تنظيم «القاعدة» بصلة.
وكانت حكومة أوباما قد أقرّت توجه وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية «سي آي إيه» إلى تكثيف الهجمات الصاروخية من جانب طائرات التجسس التي تعمل من دون طيارين داخل المناطق القبلية الأفغانية والباكستانية الحدودية، حيث تزعم أنّ قادة «القاعدة» وحلفاءهم قد شيّدت جنتها الآمنة. كما أعطت الضوء الأخضر لشنّ عمليات سرّية تستهدف عناصر وجماعات يشتبه في ارتباطهم بـ«القاعدة» في كلّ من كينيا والصومال.
وتجري الحرب السرية الأميركية بتنسيق وثيق مع حلفاء غربيين للولايات المتحدة، وخصوصاً فرنسا. وتستعين أجهزة الاستخبارات الأميركية بخدمات شركات أمنية خاصة، تدعى «مقاولين أمنيّين»، بغرض تقديم معلومات عن الأهداف والجماعات المستهدفة. وكانت وزارة الدفاع «بنتاغون» قد كوّنت شبكة من «المقاولين الأمنيّين» لجمع المعلومات الاستخبارية عن جماعات مسلحة في باكستان والبحث عن جندي أميركي اعتقلته حركة «طالبان». كما تعاونت الولايات المتحدة مع فرنسا في أحدث هجوم شنته فرنسا في الجزائر.
وتُظهر «حرب الأشباح» الدور المتعاظم لـ«البنتاغون» في هذه الحرب التي كانت في السابق حكراً على الـ«سي آي إيه» في المنطقة العربية وجوارها وأماكن أخرى، حيث تقوم «قوات العمليات الخاصة» استناداً إلى «أوامر تنفيذية» سرّية بعمليات تجسس تحت مسمّيات سرّية تتجاوز القوانين الأميركية نفسها التي تحظر مثل هذه العمليات التي تجري دون إخطار الكونغرس.
ورغم أنّ حكومة الرئيس الأميركي السابق، جورج بوش، هي من بدأ «حرب الأشباح»، فإن هذه الحرب السرّية تصاعدت واتسع نطاقها في عهد حكومة أوباما، وهذا ما تؤكّده العملية العسكرية والأمنية الجوية التي أُطلقت في محافظة أبين ـــــ اليمن في 17 كانون الأول الماضي من دون سابق إنذار ولم تعترف رسمياً بها. وقد أدّت تلك العملية إلى مقتل نحو 34 يمنياً، واعتقال آخرين في أماكن مختلفة من اليمن بتنسيق مع قوات على الأرض.
وشاركت في العملية إحدى السفن البحرية الأميركية قرب السواحل اليمنية التي أطلقت صاروخاً من طراز «كروز» يحمل قنابل عنقودية، طبقاً لما ذكرته منظمة العفو الدولية، ما ضاعف من إصابات المدنيين اليمنيين. وذكر تحقيق أجراه مجلس النواب اليمني عن تلك العملية أنها أدّت إلى مقتل 41 فرداً من عائلتين تعيشان قرب ما قيل إنه معسكر مؤقت لـ«القاعدة».
وفي اليوم التالي للعملية، اتصل أوباما بنظيره اليمني علي عبد الله صالح شاكراً تعاون حكومته في العملية، ومتعهّداً مواصلة الدعم الأميركي. وكان قائد القيادة المركزية الأميركية آنذاك الجنرال، ديفيد بترايوس، ومنسق مكافحة الإرهاب في البيت الأبيض، جون برينان، قد زارا اليمن في كانون الأول الماضي.
ولم تتوقف العمليات العسكرية الأميركية الصاروخية عند هذا الحد. فبعد أسبوع شُنّت عملية أخرى في وادي رفد في جنوب شرقي اليمن، وتوالت بعدها الهجمات. ورغم إعراب الرئيس اليمني عن عدم ارتياحه لهذه العمليات العسكرية الأميركية السرية في بلاده، فإنه لم يطلب أبداً وقفها، وقال مسؤول أميركي «في نهاية المطاف، لم يقم (الرئيس اليمني) بطردنا من البلد».
وكان رئيس الوزراء الفرنسي فرنسوا فيون قد أكد أخيراً تصعيد بلاده الحرب على «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» بالتعاون مع الولايات المتحدة في أعقاب إعدام هذه الجماعة للرهينة الفرنسي ميشيل جيرمانو (78 عاماً)، الذي اختُطف في 19 نيسان من النيجر. وكشف مبعوث خاص للرئيس الروسي ديمتري مدفيديف أنّ موسكو بدورها تساعد الولايات المتحدة على البحث عن زعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن.