خاص بالموقع - يمضي ناشطو حملة مقاطعة التمور الإسرائيلية في بروكسل إلى الأحياء التي تقطنها غالبية مهاجرة، منطلقين من فرضية أن معظم مستهلكي التمور مسلمون وداعمون للقضية الفلسطينية. لكن رغم تجاوب الكثيرين، تظهر ردود فعل سلبية عديدة من تجار مغاربة، يعرضون تموراً تدعو الحملة إلى مقاطعتها.وتمثّل أحياء في بروكسل مثل سان جيل وسكاربيك ومولنبيك، هدفاً لنشاط حملة مقاطعة التمور الإسرائيلية التي أطلقتها الجمعيات الداعمة للقضية الفلسطينية في عدة بلدان أوروبية. فهذه الأحياء ذات غالبية مسلمة، ومعروفة بكثافة ساكنيها من العائلات المهاجرة.
وأمام أحد منافذ محطة المترو وسط حي مولنبيك، تتوزع مجموعة من ناشطي الحملة، يستوقفون المارة وهم يجرّون خلفهم حقائب التسوق، ويوزعون منشورات تبين أنواع التمور التي يدعون إلى مقاطعتها. ويتكرر هذا النشاط في قلب سوق شعبي كبير يقام كل خميس، ويصعب التجوال بسهولة في أرجائه بسبب الازدحام.
يأخذ البعض منشور الحملة ويتابعون طريقهم وهم يقرأونه. آخرون يتوقفون للحديث مع نشطاء عن مواضيع متصلة بالمقاطعة، معبّرين عن آراء سياسية مناهضة لإسرائيل. كثيرون يؤكدون أنهم يعرفون قصة التمور الإسرائيلية ولا يبتاعونها، بينما يبدي قلة من المتسوقين دهشتهم.
وإضافةً إلى توضيح أنواع التمور المراد مقاطعتها، وعلاماتها التجارية، يحوي منشور الحملة نصاً مكتوباً بأربع لغات هي الفرنسية والهولندية والتركية والعربية. ويقول «لا تشتروا التمر الكبير لأنه يأتي من الشركات الإسرائيلية، وأرباح تصدير هذا التمر تساعد مادياً على تكريس احتلال فلسطين».
ويوضح المنشور أن شراء التمور «يعدّ مساعدة» لسياسات إسرائيل، ومنها أنّ القوات الإسرائيلية قتلت 1500 فلسطينيّ، معظمهم من الأطفال، خلال حربها على غزة في كانون الثاني من عام 2009. ويضيف «لا تنسوا غزة 2009. قاطعوا إسرائيل. تحيا فلسطين».
لكنّ عمل الناشطين لا يتوقف على توزيع المنشورات، بل يتوجهون إلى حيث يعرض التجار تمورهم للبيع، و«يفضحونهم» علانية. أمام بضائع أحد التجار، يقف يان دريزن، وهو من أوائل المبادرين إلى حملة مقاطعة البضائع الإسرائيلية في بلجيكا، ثم يتفحص التمور المعروضة للبيع. يلتقط بسرعة نوع التمور التي «يشتبه» في أن مصدرها إسرائيل.
وكما يوضح، معظم التمور الإسرائيلية هي ذات الثمرة الكبيرة، وتدعى «مدجول». ويشرح أنه بعدما رأت اسرائيل أنّ السوق يعاني نقصاً، قررت التخصص في إنتاجها منذ سنوات، ثم «سيطرت» على سوق التمور الكبيرة في العالم.
وبينما ينبّه دريزدن أحد الباعة إلى أنه يروّج لتمور إسرائيلية، يشد حديث الاثنين انتباه المشترين، فيتدخل التاجر صاحب البضائع ويأخذ بالصياح قادماً من ركن آخر.
وتدور مشادة كلامية يُظهر فيها التاجر ضيقه بالحملة وناشطيها، ويرد عليهم «اقترحت على غرفة التجارة أن يعيدوا جميع التمور الإسرائيلية إلى هناك، فما رأيك الآن؟»، ويتابع بانفعال «كل أرباحي من هذا البيع سأعطيها للجمعيات الخيرية، فهل أنت مرتاح الآن».
البائع الغاضب، الذي يكتفي بالتعريف أنّ اسمه نور الدين، رجل ستيني بلحية طويلة وقبعة بيضاء كالتي يضعها بعض المسلمين لإظهار ورعهم.
ويقول إنّ حملة المقاطعة «غير مفيدة»، ويتساءل «إذا أخذنا الأرباح وأعطيناها للفلسطينيين، أليس ذلك أفضل».
ولا يلبث نور الدين أن يقترح حلاً آخراً، مدارياً ارتباكه بعدما وجد نفسه في موضع اتهام أمام ناشطي الحملة والمتسوقين. يقول «إذا أردنا محاربة إسرائيل، فهناك سلع أخرى كثيرة، فلماذا التمر؟ هناك الأفوكادو مثلاً، لكن ليس التمر».
ويؤكد يان دريزدن أن التمور الإسرائيلية في كل مكان حتى لو كان التجار مسلمين أو عرباً. ويتوقف عند أحدهم بعدما لمح تموراً كبيرة، يتفحصها فيرى أن مصدرها المكسيك، ويقول للبائع مثنياً عليه «أحسنت باستبدالك التمر الإسرائيلي بآخر مكسيكي». لكن البائع لم يلتقط الإشارة، وظن أن من هو أمامه زبون آخر، فرد عليه «لا، لديّ الكثير منها (التمور الإسرائيلية) هنا»، مشيراً إلى جهة أخرى من معروضاته.
ويشعر البائع بالحرج عندما يعرف أن سائله هو من حملة المقاطعة. فيقول مرتبكاً «اشترينا كميات كبيرة من التمور الإسرائيلية».
نشطاء آخرون في الحملة يؤكدون أن ردود فعل التجار «السلبية» ليست محدودة. وتقول ناشطة بلجيكية إنّ «هناك تاجراً مغربياً هاجمني في حي سان جيل، وقال لي اخرسي وعودي من حيث أتيتِ». تبتسم عند ذكر الحادثة وتقول إنّ «أموراً كهذه لن تثنيهم»، لكنها تقر بوجود «عوائق». وتضيف «ليس من السهل دائماً المضيّ في الحملة. فحتى لو صادفتنا الكثير من ردود الفعل المتجاوبة، هناك أيضاً ردود فعل سلبية عديدة».
وتشير أرقام الحملة إلى أن إسرائيل تصدّر سنوياً نحو 5000 طن من التمور، تقدّر بنحو 50 مليون يورو.

(أ ف ب)