خاص بالموقع- دافع وزير العدل الاسكتلندي، كيني مكاسكيل، عن قراره إخلاء سبيل الليبي المدان بتفجير لوكربي، عبد الباسط المقرحي، لأسباب إنسانية، عشية الذكرى السنوية الأولى لإطلاق سراحه.
وقال مكاسكيل في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي»، إنه اتخذ قرار الإفراج عن المقرحي استناداً إلى الأدلة الطبية المقدمة، وليس نتيجة اعتبارات اقتصادية أو سياسية أو دبلوماسية.

وأضاف إنه كان على استعداد للقاء عضو مجلس الشيوخ الأميركي روبرت مندز الذي يحقق في قراره، مشدداً على أن حكومته «لا يوجد لديها ما تخشاه من تحقيق لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ».

ورداً على سؤال عمّا إذا كان سيفرج عن المقرحي لو عرف أنه سيبقى على قيد الحياة مدة عام، أوضح مكاسكيل «أن المقرحي لن يكون في هذه الحالة قد استوفى المعايير المطلوبة، ووفقاً لذلك فإن قرار إخلاء سبيله ما كان ليُتخذ».

وأصرّ مكاسكيل على أن النصيحة الطبية التي استند إليها في قرار إخلاء سبيل المقرحي أشارت بوضوح إلى أنه مصاب بمرض ميؤوس من شفائه، ووصف هذا القرار بأنه «أصعب قرار اتخذه في حياته السياسية».

وقال «كان علي أن اتخذ القرار، واتّبعت كل القواعد والتوجيهات والأدلة والنصيحة الطبية، التي أوصت جميعها بأن معايير الإفراج عن سجين يواجه الموت خلال ثلاثة أشهر قد استوفيت».

وأقر وزير العدل الاسكتلندي بأنه «كان على علم بأن قرار الإفراج عن المقرحي سيسبّب» خلافات، وقال «لا يوجد إجماع شامل في الآراء، وقد أيد البعض القرار وعارضه آخرون، وأنا أحترم حق أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي في فتح تحقيق، غير أن حكومة اسكتلندا ليس لديها ما تخشاه من هذا التحقيق».

من جهته، أكد الخبير في أمراض القولون، غراهام هوارد، الذي كان من بين أربعة خبراء جرت استشارتهم قبل اتخاذ قرار الإفراج عن المقرحي، أنّ الرأي الطبي الذي أعطى الأخير ثلاثة أشهر فقط للبقاء على قيد الحياة، وأدى إلى إطلاق سراحه قبل عام كان «الانعكاس الصادق» لحالته آنذاك.

وأوضح هاورد أن الرأي النهائي كان لمدير جهاز الصحة التابع لإدارة السجون الاسكتلندية، اندرو فريزر، لكنه أقرّ بأنه «شارك في المناقشات التي انتهت بإمكان الإفراج عن المقرحي لأسباب صحية».

وأضاف في بيان له إنّ «الجزء الطبي من هذا الطلب هو الانعكاس الصادق لآراء الخبراء آنذاك».

من جهتها، تتكتم السلطات الليبية على الحالة الصحية لمواطنها، الذي كان آخر ظهور علني له في أيلول 2009، فيما نشر التقرير الطبي الوحيد عنه في كانون الأول 2009.

وقال الأطباء في هذا التقرير، إنّ المرض الذي يعانيه استفحل وإنه يتلقى علاجاً كيميائياً باستمرار.

ويقول أقارب المقرحي إنه «يعيش منعزلاً مع عائلته في بيته في حيّ دمشق الراقي في مدينة طرابلس، والمحروس باستمرار».

ووفقاً لأحد أقاربه «لا يزور المقرحي لا إخوته ولا أصدقاؤه ولا يخرج إلّا إلى المستشفى أو لزيارة أمّه أحياناً»، مؤكّداً أن «حالته الصحية مستقرة، وأنه مستمر في تلقّي العلاج بانتظام».

ويقول الطبيب والمحلّل السياسي يوسف الختالي، إن «ملف لوكربي طوي، وليبيا لن تبقى أسيرة الماضي. نحن نتطلع الى المستقبل، ولن ندفع فاتورة أخرى للماضي».

وأكد الختالي أنه «لا يوجد طبيب في العالم يمكنه تحديد موت مريض أو حياته»، موضحاً أن «ما نملكه كأطباء مجرد توقعات»، وأن «تحسّن حالته يعود إلى العامل النفسي بعد عودته إلى عائلته».

وتحدث الختالي «عن تصفية حسابات داخلية في بريطانيا والولايات المتحدة وبين الشركات للضغط على شركة «بي بي» (بريتش بتروليوم)، وخصوصاً بعد تسرب النفط في خليج المكسيك».

وتتهم الولايات المتحدة مجموعة «بي بي» بالضغط على السلطات الاسكتلندية للافراج عن السجين الليبي مقابل حصولها على عقد للتنقيب عن النفط في ليبيا، وهو ما نفته الحكومة الاسكتلندية بشدة.

وبعدما استبد بهم الغضب من «المناورات التسويفية» لـ «بي بي» والحكومتين البريطانية والاسكتلندية، وجّه بعض أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي، دعوة إلى إفشاء أسرار المجموعة للحصول على معلومات عن صفقات سرية محتملة تتعلق بالإفراج عن المقرحي الذي جرى منذ عام.

ويريد أعضاء مجلس الشيوخ، الذين وعدوا من يقدم معلومات بعدم الكشف عن هويته إذا ما رغب في ذلك، الحصول على أكبر قدر ممكن من المعلومات قبل جلسة الاستجواب العامة، التي تعدّ لجنة الشؤون الخارجية للمجلس لعقدها في ايلول المقبل.

وسط هذا الجدل، تريد بلدة لوكربي الاسكتلندية أن يُسمح لها لا بنسيان حادث تحطم الطائرة فوق أراضيها، لكن هذا الأمر مستحيل، أو على الأقل البحث في قضايا أخرى.

لكن الأمر بالغ الصعوبة في ظل الذكريات المحزنة التي تثيرها ذكرى مرور عام على إطلاق سراح المقرحي، واهتمام وسائل الإعلام بالبلدة.

ولا يزال البعض في اسكتلندا يرون أن المقرحي ليس المذنب الحقيقي.

وقال الأب باتريك كيغانز، الذي كان يعيش في البيت الوحيد الذي لم يدمّر في شيروود كريشنت، إن إدانة المقرحي «تحيط بها شكوك كبيرة» حتى الآن.

وأضاف القس الذي ينتمي إلى منظمة أطلق عليها اسم «العدالة للمقرحي»، إنّ «الناس لن يرتاحوا قبل كشف كل الحقيقة، لأن الحقيقة وحدها تسمح لنا بمواجهة هذا النوع من القضايا وإعادة بناء حياتنا».

في المقابل، يرى آخرون أن المقرحي كان ينبغي أن ينهي حياته في سجن اسكتلندي.

وقال أحد سكان المنطقة «أعتقد أنه كان يجب أن يموت هنا ويعاد جثمانه إلى بلده بعد ذلك»، وأضاف إن «كثيرين هنا لن يعود أقرباؤهم إليهم».

(أ ف ب، يو بي آي)