باريس ــ بسّام الطيارةيروي كل من زار الدولة العبرية خلال السنوات الأخيرة أن هناك «شباناً وشابات بلباس عسكري في كل مكان»، وذلك بسبب الخدمة العسكرية الطويلة التي تجبر نسبة من سكان الدولة العبرية على ارتداء ثوب القتال، أي ثوب الاحتلال، وبالتالي الانخراط في «فلسفة الاحتلال»، التي ندّد بها عدد من الجمعيات الناشطة في داخل دولة الاحتلال وخارجها، ولا سيما بعد وصول هذه الفلسفة إلى درك فضائح «سجن أبو غريب»، بنشر صور المجنّدة الإسرائيلية، أيدن أبرجيل، على صفحتها الخاصة على الموقع الاجتماعي «فايسبوك»، مع شبان فلسطينيين وهم مقيّدون ومعصوبو الأعين. وتبيّن مع الوقت أنها ليست «حالة استثنائية»، بل تعكس جواً عاماً في التعامل مع الفلسطينيين.
«إسرائيل في حرب»، كما ردّت المجنّدة الإسرائيلية على مدوّنتها الإلكترونية بعد فترة تردّد. وأوضحت أنها «تدافع عن وجودها ضدّ العرب». ولكن ما الذي يدفع مجلة إحدى كبرىات شركات الطيران في العالم «ماغازين إير فرانس» (Magazine AirFrance) الفاخرة، التي توزع مجاناً لكل المسافرين على متنها وفي صالات الانتظار في المطارات، وفي ومكاتبها حول العالم، بما فيها الدول العربية، إلى الترويج للمجنّدات الإسرائيليات؟
في عدد آب الحالي الرقم ١٦٠ في الصفحة ٩٩، وضمن تحقيق سياحي تحت عنوان «٣ أيام في تل أبيب» لمناسبة «مئوية إنشاء المدينة»، نجد صورة لمجندتين تبتسمان للمصوّر وقد بانت شارات الجيش الإسرائيلي على أكتافهما. بالطبع الصورة من دون تعليق. وبالطبع ليس هناك أي إشارة في التقرير إلى فلسطينيي 48، إذا استثنينا عامل التنظيفات الذي يمرّ في ظل «بناء حديث نظيف من الطراز الأوروبي» في الصفحة ٩٨ من المجلة، حتى إن خريطة الشرق الأوسط التي تُشير إلى موقع المدينة لا تحمل أي إشارة إلى وجود فلسطين والضفة الغربية وغزّة، كما تظهر الصفحة ٩٤.
رغم أن التحقيق هو «سياحي مئة في المئة»، إلا أن دسّ هذه الصورة التي تشير إلى سعادة المجنّدات في صفحاتها وعلى أوراقها الفاخرة المخصصة للذين يبحثون عن «متعة السفر والنقاهة»، يأتي ليحمل الدلالة نفسها التي حملتها كلمات أبرجيل «الجيش أفضل أيام حياتي»، وأتبعتها بأنها غير آسفة على نشر هذه الصور، وأكّدت أنّها ستستمتع بذبح العرب وقتلهم في غياب القوانين في الحروب.
هذه الصورة التي تبثّ «سعادة المجنّدات» في خدمة الدولة العبرية، تساعد في إعداد المتلقّي، القارئ الغربي والعربي الذي يتصفح هذه المجلة وغيرها من المجلات المماثلة المقاربة، للانحياز المسبق إلى المجنّدات، وبالتالي إلى الجنود الإسرائيليين عند وصول «أخبار الحرب والقتل والدمار» من هذه المنطقة، وتخلق علاقة حميمة مع من يحمل السعادة عبر صور كهذه، وتسوّق التبريرات لأي ردّ فعل وحشيّ من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي: محمد الدرة وقصف العائلات في غزة أو التوقيف أو منع المرضى والحوامل من الوصول إلى المستشفيات، فيراها العقل الغربي، وبدأ الآن العقل العربي يأخذ هذا المسار، كأنها أخطاء غير مقصودة.
على الضفة الأخرى، لا يمكن إغفال دور ناشطين إسرائيليين، أمثال يهودا شاوول من المنظمة غير الحكومية «لنكسر الصمت» الإسرائيلية، لإظهار الجرائم الإسرائيلية. لقد نشرت شاوول صوراً إضافية ترجّح صحة أعمال تعذيب الأسرى الفلسطينيين لدى جنود الاحتلال.
لم يسبق لأي مجلة سياحية أن نشرت صوراً لجنود. هذه الصورة البريئة التي تنشرها مجلة سياحية تابعة لـ«إيرفرانس»، إحدى كبرىات شركات الطيران في العالم، والمساهمة في شركات طيران عربية منها «ميدل إيست» اللبنانية، تسهم في قولبة العقول لتقبّل انتهاكات الجيش الإسرائيلي للقوانين الدولية، وتسهم في ابتذال نشر صور على مواقع التواصل الاجتماعية، مثل «فايسبوك»، لمجندين ومجنّدات في خضم ممارستهم لما باتوا يعدّونه أمراً طبيعياً: انتهاك حقوق الإنسان. وحسب المعلومات المتداولة على المدوّنات عن نوعية وكمية الصور المنشورة والموجودة لهذه الانتهاكات على شبكة الإنترنت، فإن «الآتي أعظم».