توفير 17 مليار دولار في فاتورة الكهرباء... وقدرة على تصدير الطاقة الكربونيّةنيويورك ــ نزار عبود
احتمال ضرب مفاعل بوشهر الكهروذري الإيراني، الذي جرى تدشين دورة الوقود النووي فيه يوم السبت الماضي، يعني جعل المفاعلات الإسرائيلية الثمانية المنتشرة ضمن أضيق حيز جغرافي لمفاعلات في العالم، هدفاً مشروعاً لرد انتقامي إيراني، مع ما ينطوي عليه ذلك من كوارث تشمل منطقة بالغة الحيوية لسكان الكوكب.
هذه المخاطرة تعني تحويل الشرق الأوسط إلى ساحة ملوثة بالإشعاعات النووية القاتلة بكل أنواعها، مع ما يستتبع ذلك من نزوح سكاني شبه شامل عن الكثير من الدول وإحجام عالمي عن بذل أي نشاط فيها، ربما لعقود مقبلة.
سيناريو غير مسموح به دولياً وإقليمياً، بل يعدّ مخالفاً كلياً للأهداف المعلنة بتحويل الشرق الأوسط إلى منطقة منزوعة من السلاح النووي كجزء من الأمن العالمي.
وبالنسبة إلى إسرائيل، يمنح شراء إيران لبوليصة التأمين النووية هذه من روسيا بثمن بخس لا يتعدى مليار دولار، ضمانة ضد التفوق العسكري الإسرائيلي المكفول من الحلف الأطلسي. كما يكمل عملية تآكل هيبتها الردعية في المنطقة بعد هزيمة تموز 2006 في لبنان. إنه يحرم الدولة العبرية الكثير من المناعة التي كانت تشعر بها من خلال احتكار الطاقة النووية والتفوق الاستراتيجي.
وهو بالتأكيد يحرم إسرائيل فرصة البلطجة العسكرية، ويرسم خطوطاً حمراء لنفوذها في المنطقة. خطوط تقوض الثقة بمستقبلها وتبعد الاطمئنان من قلوب المهاجرين إليها. كذلك، يُرجح أن تجعل المقيمين في إسرائيل يشعرون بحجمهم الفعلي بعد تقليص الحجم الاعتباري. وعندما لا يكون التفوق العسكري مضموناً، لا يبقى تدفق الاستثمارات الاقتصادية مضموناً أيضاً.
وبالنسبة إلى إيران، فقد أتاح لها هذا المشروع أن تدخل نادي الدول النووية السلمية، كأول دولة في المنطقة استطاعت كسر ذلك الاحتكار، بالرغم من خضوعها لحصار اقتصادي منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي.
المفاعل الذي نفذته روسيا ضمن خطة بدأت عام 1995، ينطوي ضمناً على حماية معنوية روسية لسلامته. أمر يزيد من تكبيل حرية المناورة العسكرية الإسرائيلية لأنه سيعرض الخبراء الروس للخطر كما سيعرض القواعد الأميركية والأوروبية الخليجية، ودول الخليج، لمخاطر الإشعاع الفتاك لأجيال مقبلة. وهذا لا ينسجم مع مناخ التصالح الغربي مع روسيا وقبولها كشريك دولي بعد تمنّع دام عقدين.
وفوق كل هذا، سيمنح مفاعل بوشهر إيران سبقاً تكنولوجيا إقليمياً كان محرماً بالقوة على كل شعوب المنطقة، باستثناء الإسرائيليين، ويعطيها زخماً اقتصادياً جديداً. فمن أهم فوائد برنامج إيران النووي أنه يدرّب خبرات نووية نادرة تتعاظم الحاجة إليها مع التوسع في ميدان الطاقة النووية كبديل من الطاقة الإحفورية الملوثة للطبيعة، وخصوصاً أن الدول الآسيوية، لا تستطيع تعويض النقص البشري بسبب الحاجات المحلية المتنامية مع توسع الهند والصين واليابان والباكستان في بناء مفاعلات نووية كثيرة.
وعلى صعيد الفوائد العملية، فإن مفاعل بوشهر سيحقن الاقتصاد الإيراني بشحنة قوية من الطاقة الكهربائية ويحرّر قسطاً أكبر من الطاقة الكربونية للتصدير. ذلك أنه سيبدأ بإنتاج ألف ميغاوات من الطاقة الكهربائية بعد ثلاثة شهور. وهي خطوة أولية على طريق إنتاج 20 ألف ميغاوات من الكهرباء النووية النظيفة ضمن خطة تنفذ على مدى عقدين. فالألف ميغاوات من بوشهر لا تمثّل سوى 4 في المئة من احتياجات إيران الكهربائية نظراً إلى اتساع شبكتها العامة ولضخامة عدد سكانها وتوسعها في المجالات الصناعية.
ومشروع بوشهر، على أهميته السياسية والاقتصادية وحتى العسكرية، سيكون مجرد عتبة أولى في البرنامج النووي الإيراني الطموح. فالتخصيب بنسبة 20 في المئة لمادة اليورانيوم سيستمر بالرغم من سياسة الحصار والعقوبات الدولية. عقوبات شاركت فيها كل من الصين وروسيا، ثم أتبعت بعقوبات مالية أميركية أوروبية مشتركة شملت حرمان الشركات العاملة في حقلي النفط والغاز التي تتعامل مع إيران من استخدام النظام المالي الغربي. كذلك التهديدات باللجوء إلى الخيار العسكري لم تقتصر على الإسرائيليين وحدهم، بل شملت وزير الدفاع الأميركي، روبرت غيتس، الذي قال في حزيران الماضي إنه لا يستبعد الخيار العسكري.
لكن إيران ستعوّض من خلال محطة بوشهر الكثير من الخسائر الناجمة عن الحصار المالي. ويرى الخبراء أنها ستتمكن في الحد الأدنى من تحرير 11 مليون برميل من النفط الخام أو نحو ملياري متر مكعب من الغاز الطبيعي كانت تستخدم لتوليد الطاقة، حسبما قدّرت «جمعية العالم النووي» في لندن.
وعند إنتاج 20 ميغاوات من الكهرباء بالطاقة النووية ستتمكن إيران من توفير نحو 17 مليار دولار سنوياً على أساس سعر برميل النفط الحالي الذي يقل عن 80 دولاراً. كما ستتمكن من منح عجلة الاقتصاد قوة دفع كبيرة سواء في إنارة المدن والقرى، أو في تشغيل المصانع بواسطة طاقة نقية ودفع القطارات بها. أمور تسرّع عملية التنمية وسياسة الاكتفاء الذاتي وتقوّي قدرة الممانعة لدى الجمهورية الإسلامية وتزيد نفوذها الإقليمي والدولي. كما أنها الخطوة النووية التي ستجعل إيران متقدمة على جاراتها في الخليج في المضمار التقني النووي بما لا يقل عن عقد من الزمن، لتصبح واحدة من بين 29 دولة تتمتع ببطارية نووية.