«البنتاغون» تخشى «ويكيليكس»: ممنوع على الجنود والموظّفين تصفّح الموقعديما شريف
منذ أيام، بدأ يظهر رابط لملف جديد مشفّر على موقع ويكيليكس. اسم الملف هو «تأمين» وحجمه 1.4 جيغابايت، أي أكبر بعشرين مرة من حجم ملف «مذكرات حرب أفغانستان»، الذي نشره الموقع في 25 تموز الماضي، وأثار زوبعة إعلامية حول العالم بسبب ما كشفه عن الحرب الدائرة منذ تسع سنوات. هل يُعدّنا مؤسس الموقع جوليان أسانج لعملية تسريب جديدة؟ هل سيفرج عن الـ15000 ملف الباقية بحوزته عن حرب أفغانستان بين لحظة وأخرى؟ لا أحد يعلم، والكلّ ينتظر ما ستؤول اليه الأمور. فما كشفه الموقع منذ تأسيسه عام 2007، يجعل الجميع مهتماً به. فهو كان أول من كشف عن القروض المشبوهة التي كان يمنحها المصرف الإيسلندي «كاوبثينغ» لبعض العملاء كي يشتروا أسهمه، كما كشف عن ملفات تثبت تورط عائلة الرئيس الكيني السابق دانييل آراب موا في صفقات فساد. وفي ما يتعلق بالداخل الأميركي، فضح الموقع استخدام المرشحة السابقة لمنصب نائب الرئيس الأميركي سارة بايلن عنوان بريدها الإلكتروني الخاص في أعمال عامة، وهو ما تمنعه القوانين الأميركية. ونشر كذلك أكثر من نصف مليون رسالة نصية تبادلها سكان نيويورك وعملاء فدراليون، عناصر من الشرطة وأفراد من فرق الإنقاذ عبر أجهزة اتصالات الطوارئ (Pager) مباشرةً بعد أحداث 11 ايلول 2001. كما كان أول من نشر الرسائل الإلكترونية المتبادلة بين الباحثين في وحدة البحث المناخي في جامعة «ايست آنغليا» البريطانية، التي رأى المشككون في حقيقة التغير المناخي أنها تدعم حججهم في ما عُرف لاحقاً بـ«كلايمات غايت». هذا إلى جانب الشريط المصوّر الذي نُشر منذ أشهر ويُظهر قتل مروحية أميركية لصحافيين عراقيين عزّل.
هذا الواقع دفع وزارة الدفاع الأميركية إلى منع موظفيها والعسكريين من فتح الموقع وتصفحه خوفاً من فضح أيّ معلومات جديدة تضر بها.
ووصل الأمر إلى منع الموظفين من الاطّلاع على ما ينشره الموقع، رغم أنّه أصبح موجوداً على مئات المواقع الأخرى.
تغاضت الإدارة الأميركية في السابق عن نشر الموقع تقارير داخلية عن الأمم المتحدة
ففي 29 تموز الماضي تلقى الجنود المنتسبون إلى القوات البحرية رسالة إلكترونية من قسم الأمن القومي القضائي تحت عنوان «دليل استخدام ويكيليكس»، يطلب منهم فيها «عدم دخول موقع ويكيليكس للاطّلاع على أو تنزيل المعلومات السرية المنشورة فيه. فعل ذلك سيؤدي إلى إدخال معلومات مشفرة وسرية على شبكات مصنفة غير سرية». وتضيف الرسالة الإلكترونية «هناك شائعات تقول إنّ المعلومات لم تعد مصنّفة سرية بما أنّها أصبحت علنية. هذا ليس صحيحاً أبداً».
كذلك تلقى الجنود في مشاة البحرية أو المارينز (وهو قسم مختلف عن البحرية) رسالة إلكترونية مماثلة من قسم الاستخبارات الخاص بهم تحذّرهم من الدخول إلى الموقع «طواعيةً للاطّلاع على المواد السرية... لأنّ ذلك يعني أنّهم ارتكبوا مخالفة أمنية». وتضيف الرسالة إنّ من يُضبط وهو يخالف هذا الأمر سيتعرض لعقوبات مسلكية، وسيُعدّ المتعاقدون من القطاع الخاص والموظفون المدنيون مذنبين أيضاً وتعلّق خدماتهم بانتظار «انتهاء التحقيق في مخالفاتهم». ويطلب البنتاغون من العسكريين اتّباع سلسلة الهرمية في التقدم ببلاغات في حال ارتكاب مخالفات داخل الجيش أو جرائم حرب.
لكن هذا التهديد بالعقوبات قد لا يمنع مزيداً من الجنود والعسكريين من التقدم بما يعرفونه إلى ويكيليكس، لأنّ الطريق الرسمية أثبتت في السابق عدم فعاليتها. ويذكر الجميع ما حصل للجنود الذين تقدموا ببلاغات ضد زملائهم في انتهاكات سجن ابو غريب وتعرضهم للمساءلة لاحقاً ولتهديدات بالقتل.
نشرت ويكيليكس نصف مليون رسالة نصية تُبُودلت بعد أحداث 11 أيلول
لكنّ الإدارة الأميركية، التي أعرب كل أركانها عن امتعاضهم من التسريبات، تغاضت في السابق عن نشر الموقع لتقارير داخلية عن الأمم المتحدة تتعلق بهدر مالي وسوء إدارة وتحرشات جنسية في مركز الأمم المتحدة في نيويورك وعدد من بعثات حفظ السلام حول العالم. والسبب يعود إلى أنّ الإدارة السابقة، على عهد جوج بوش الابن سربت الوثائق قبل ويكيليكس. ففي السنوات الأربع الماضية نشرت الإدارة عبر موظفين رسميين لديها، ثم تبعتها ويكيليكس بعد تأسيسها، مئات من الملفات من دون حجب أسماء فيها، ما شوّه سمعة العديد من الموظفين في المنظمة الدولية.
بدأ ذلك في 2006، أي قبل سنة من بدء عمل الموقع. إذ نشر سفير الولايات المتحدة الخاص بالإدارة والإصلاح، مارك والاس، مئات من التقارير السرية التي أصدرها مكتب التحقيق الداخلي في الأمم المتحدة.
وقام والاس بذلك بناءً على طلب من مندوب واشنطن لدى المنظمة الدولية جون بولتون، الذي لا يمكن أن يكون قد تصرف من تلقاء نفسه ومن دون ضوء أخضر من البيت الأبيض. وبعد وصول باراك اوباما إلى الرئاسة نشرت المندوبة الجديدة لدى المنظمة الدولية سوزان رايس ملفات إضافية عن مهمة بعثة الأمم المتحدة في السودان، وتكاليف تجديد مبنى المنظمة الرئيسي في مدينة نيويورك. وحين نشرت ويكيليكس الوثائق في 2009 لم يصدر أيّ تنديد من البيت الأبيض، لأنّه كان من مصلحته زيادة انتشار هذه الملفات. فهو في رأي بعض المراقبين يريد أي عذر للاستمرار في احتقاره الشديد للمنظمة.


أبطال التسريب

آدريان لامو. ربما لا تعرفون هذا الاسم لكنّه مهم جداً في أميركا اليوم. إنّه «هاكر» سابق، تحوّل اليوم إلى صحافي... وواشٍ. فهو من أعطى الجيش الأميركي اسم مسرب شريط «قتل مباشر»، الذي يفضح قتل مروحية أميركية لصحافيين عراقيين عزّل. لم يكن أحد يعلم من أين أتى لامو باسم الجندي برادلي مانينغ (الصورة)، لكنّه وشى به إلى قيادة الجيش الأميركي التي اعتقلته حيث كان يخدم في العراق، ثم نقلته إلى أحد مراكزها في الكويت قبل أن تعيده أخيراً إلى الولايات المتحدة في نهاية تموز. حيث اتُّهم بتسريب معلومات سرية، ويُحتمل أن يسجن لمدة تزيد على 52 عاماً. في منتصف حزيران علم الجميع ما حصل. إذ يبدو أنّ مانينغ أخبر لامو، الذي يثق به، عن مسؤوليته عن تسريب شريط «قتل مباشر» وأشرطة أخرى إلى جانب 260000 وثيقة دبلوماسية إلى جوليان آسانج، مؤسس موقع «ويكيليكس»، فسلم الواشي الجيش سجلات المحادثات الإلكترونية بينهما. وكانت دوافع مانينغ، وهو محلل استخباري، «قرفه» من الجرائم الأميركية، حيث يكون الجيش موجوداً.
لكن مانينغ ليس ضحية لامو الوحيدة، إذ يهدد هذا الأخير بفضح اسم طالبَين جامعيّين ساعدا الجندي الأميركي على تعلّم تقنيات خرق المواقع المشفرة، كما يدّعي. ويقول لامو إنّه لن يكشف اسم الطالبين في «معهد ماساشوستس للتكنولوجيا» لأنّ أحدهما هدّده. وأضاف لامو إنّ الشابين يعملان مع آسانج، وإنّ هذا الأخير يعرف من هما. اسانج ليس بحاجة إلى مزيد من المتاعب مع الجيش الأميركي، الذي سيحاول أن يتوصل إلى ما يعرفه عن هذين الطالبين. وهو أصلاً لن يتعاون معه، وخصوصاً بعدما اتهم وزارة الدفاع الأميركية بالوقوف وراء اتهامه بالاغتصاب. إذ أصدر الادعاء السويدي مذكرة اعتقال بحق اسانج السبت لاتهامه بالاغتصاب، إلا أنّه أسقط تلك التهم بعد ساعات، وقال إنّه «غير مشتبه فيه بالاغتصاب» ولم يعد مطلوباً للتحقيق معه. وذكر مكتب الادعاء السبت أنّ تحقيقاً في تهمة تحرش جنسي منفصلة لا تزال مفتوحة.
وقال اسانج لصحيفة «افتونبلادت» السويدية إنّه لا يعرف «مَن هو وراء» الاتهامات بطريقة محدّدة، لكن جرى تحذيره سابقاً بأنّ جهات مثل البنتاغون «يمكن أن تستخدم حيلاً قذرة» لتدمير موقعه، مضيفاً إنّه حُذّر خصوصاً من اتهامه بفضائح جنسية. وأسف اسانج أنّه رغم إلغاء مذكرة الاعتقال، فإنّ أعداءه لا يزالون يستخدمون تلك المزاعم لإلحاق الضرر بموقع «ويكيليكس»، الذي سينشر الوثائق السرية الباقية لديه عن الحرب في أفغانستان خلال الأسابيع المقبلة.


إلى جانب مؤسس ويكيليكس، الأوسترالي جوليان اسانج، الذي يعيش في إيسلندا هرباً من الملاحقات، يعمل في الموقع خمسة موظفين دائمين فقط. ويعتمد الموقع على التبرعات الخاصة من عشرة آلاف شخص لاستمرار عمله. ويعتمد الموقع على نحو 800 شخص يقدمون إليه المعلومات، وهم يتنوّعون بين صحافيين ومحامين وناشطين في مجال حقوق الإنسان. ويقول أسانج، الذي درس الرياضيات، وكان «هاكر سابقاً»، إنّ أسماء هؤلاء لا يعرفها حتى العاملون في الموقع