ساركوزي وفريقه يتصدّيان لحملات الانتقادباريس ــ بسّام الطيارة
بعد إجازة صيفية قصيرة، تعود السياسة إلى واجهة الإعلام الفرنسي، ويعود معها قطار الإجراءات تجاه الغجر الفرنسيين والغجر الأوروبيين الآتين من رومانيا أو بلغاريا، حيث من المتوقع أن تأخذ هذه القضية أبعاداً جديدة وسط تصاعد المعارضة والانتقادات لسياسة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي. انتقادات لم تعد تقتصر على المعارضة، بل شملت بعض نواب اليمين في داخل حزب «تجمع الأكثرية الشعبية» الحاكم، ووصلت إلى رجال الدين، الذين انضم عدد منهم، وفي مقدمتهم البابا بنديكتوس السادس عشر، الى منتقدي قرار ساركوزي القاضي بطرد العشرات من الغجر من فرنسا.
وقال الأب أرثر إيرفيه (٧١ عاماً) من كنيسة سان مارتان في مدينة ليل في شمال فرنسا إنه لجأ الى الرب، لأنه يعتقد أن الموجودين في السلطة ليس لديهم أي خطط لمساعدة الغجر سوى بترحيلهم. وأضاف «إني أصلي». وبعد تردد توجه إلى ربه قائلاً «أرجو مغفرتك... كي يصاب الرئيس ساركوزي بأزمة قلبية». وكشف أنه سوف يعيد وسام الاستحقاق الوطني إلى وزير الداخلية بريس أورتوفو «الذي لا يعرف شيئاً عن أوضاع هؤلاء (الغجر)»، احتجاجاً على هذه السياسة. كما أن الطبيبة آن ماري كوفيه تستعد أيضاً لرفض وسام الشرف بحجة «الحفاظ على شرفها».

الأب أرثر إيرفيه: «أرجو مغفرتك... كي يصاب الرئيس بأزمة قلبية»
وأمام ردات الفعل العنيفة، جنّدت الحكومة «المقربين من ساركوزي» للتصدي لحملة الاستنكار هذه، وخصوصاً موجة التعاطف مع العائلات التي شوهدت وهي تُطرد بالقوة من مخيماتها، بعد إعلان وزير الداخلية ضرورة إغلاق «٣٠٠ مخيم غير شرعي قبل نهاية السنة». واتهمت سكرتيرة الدولة «لشؤون العائلة»، نادين مورانو، الغجر بـ «استعمال أطفالهم للشحاذة والتهريب». أما نائب باريس بيار لولوش، سكرتير الدولة للشؤون الأوروبية، فأشار في مقابلاته الصحافية إلى أنه «لم يعد يتحمّل أن يرى في شوارع باريس تجارة التسول، التي يمارسها الأطفال والعجزة أو يُجبرون على ممارستها». وأعلن «تسلّمه الملف»، في ظل غياب ملحوظ لوزير الخارجية برنار كوشنر. وأشار إلى أنه سوف يضغط على «البلاد الأوروبية الأصلية» للغجر كي تدمج مواطنيها، مع اعترافه بأنهم كأوروبيّين «لهم حقوق».
وفي خطوة يرى فيها البعض «قراءة جديدة لاتفاقية شنغن»، التي تسمح بتنقّل الأوروبيين من دون أي إعاقة، قال لولوش يوجد في أوروبا «عالم رابع»، في إشارة إلى فقر يتجاوز العالم الثالث، وإنّ فرنسا لا تستطيع أن تقبل أن «تتخلص دول مثل رومانيا ودول أوروبا الشرقية من مشاكلها على ظهرنا». وأضاف إنّ فرنسا لا تستطيع استيعاب ٩ ملايين غجري أوروبي.
ما لا يقوله لولوش هو أن قبول بلغاريا ورومانيا عام ٢٠٠٧ في إطار اتفاقية شنغن تضمّن «استثناء حرية التنقل لمدة سبع سنوات»، وذلك لأسباب عديدة، منها عدم قدرة الدول الجديدة على ضبط حدودها، ولكن أيضاً بسبب مسألة الغجر. ومن المنتظر أن ترفع هذه الشروط في السنة المقبلة، رغم أن أعضاءً في حكومة ساركوزي سرّبوا إمكان «تمديد فترة استثناء بلغاريا ورومانيا من مبدأ حرية التنقل» إذا لم يُدمج الغجر.
ورغم كشف سلطات وزارة الهجرة أنّ ١٠ آلاف شخص جرى ترحيلهم «مع مساعدة إنسانية قيمتها ٣٠٠ يورو» خلال عام ٢٠٠٩، فإن عدداً من المراقبين، وخصوصاً منتقدي سياسة «الترحيل»، يرون أنّ تسليط الأضواء على مسألة الغجر هو أمر مقصود بالنسبة إلى ساركوزي وفريق عمله، إذ إنه يحاول بأيّ ثمن ممكن كسب أصوات اليمين المتطرف. ورغم أن وزير الداخلية بريس هورتوفو لا يكفّ عن الإشارة إلى أنّ الأمر لا يعدّ بأي شكل من الأشكال «ترحيلاً جماعياً»، فإنّ ترداد هذا الأمر يأتي كدعاية موجّهة نحو شرائح اليمين المحافظة التي يزداد عددها مع الأزمة الاقتصادية، وارتفاع البطالة. وتزيد الشعارات الشعبوية، التي يصدرها ساركوزي من حين إلى آخر، من نزعة «كزينوفوبيا» Xenophobia (كره الأجانب)، التي بدأت تلوّن عدداً متزايداً من ردات فعل المواطنين.
ويقول بعض المتابعين إنّ «الخطر يتجاوز مسألة ترحيل الغجر الرومان، إلى التفنن في استعمال القوانين»، ذلك أن هذه الموجة من التأجيج تخلق نوعاً من «الخلط بين الغجر الأوروبيين والغجر الفرنسيين»، الذين لا يمكن بأي شكل من الأشكال ترحيلهم. ثم يشير هؤلاء إلى ضبط إيقاع «الخطاب بشأن الأمن مع الخطاب بشأن الهجرة»، الذي يأتي بعد سنة من الجدل بخصوص «الهوية الوطنية»، ما يؤهّب لردات فعل عنصرية تطاول المهاجرين من أصول أجنبية، وهم، كما يبدو، «هدف فريق ساركوزي الأول».

تحمل الإجراءات الجديدة دلالة تمييز بين الفرنسي الأصلي والفرنسي الغريب
ويبدو الأمر منسّقاً ضمن خطة مدروسة، إذ إنه ما إن تثبت هذا الخطاب العنصري حول الهوية الوطنية، الذي أعقبه خطاب عن البرقع، حتى جاء تصريح ساركوزي، عند أول مناسبة عنف حضري في ضاحية من ضواحي كبرى المدن، عن نزع جنسية الجانحين. وقد «قفز» هوتوفو على المناسبة ليزيد من مسببات نزع الهوية «تعدد الزوجات وختان الفتيات»، وهو توجيه لشعور شرائح اليمين نحو المسلمين الفرنسيين والمهاجرين المسلمين والأفارقة.
إذاً المسألة ليست قصة ترحيل أوروبيين، بل تحمل دلالة «تمييز بين الفرنسي الأصلي والفرنسي الغريب». وهذا ما دفع بالمطران أندريه فانتروا، رئيس المجمع الأسقفي الفرنسي، إلى التصريح بأنّ «الترويج للخوف من الآخر ليس رسالة الإنجيل ولا رسالة مجتمع متحضّر». ورد الوزير هوتوفو بأنه يدعوه إلى لقاء للحديث عن «الغجر»، فيما صرّح مطران جنوب فرنسا، الذي حضر عاجزاً عمليات طرد غجر من مخيمهم في بوش دي رون (شمال مارسيليا)، بأن «الخطاب الأمني، الذي يشير إلى أنه يوجد سكان في درجة أدنى من سكان آخرين، هو حديث مرفوض».


سلاح نزع الجنسيّةمرشحة الخضر الجديدة للرئاسة، القاضية السابقة إيفا جولي، من أصل نروجي، بينما وزير الهجرة إيرك بيسون، الملقب بـ«الخائن»، مولود في المغرب من أم لبنانية. مع ذلك يرى ساركوزي أن سياسة تنظيم الهجرة «فشلت في العقود الخمسة الماضية»، وهو بذلك يبرّر طرح مسألة نزع الجنسية عن الفرنسيين من أصول مهاجرة في حالات يشير إليها كأنه يشير إلى ذوي الأصول المغاربية والمسلمين. ويقول المتخصص في شؤون الهجرة باتريك ويل إنّ «نزع الجنسية سلاح ثقيل يستعمله الرئيس من دون أيّ قدر من الحيطة». ويتساءل «عمّن يتكلم؟». ويشير إلى وجود «ملايين من الفرنسيين من أصول مهاجرة»، وإلى أنّ كل سنة يجري أوتوماتيكياً تجنيس ٣٠ ألف مولود ومولودة في فرنسا، إضافةً إلى مكتسبي الجنسية إدارياً. أما بالنسبة إلى نزع الجنسية فيذكّر ويل بأن نظام المارشال بيتان في فيشي، المتعاون مع المحتل النازي، نزع الجنسية عن «٤٤٦ مقاوماً، بينهم الجنرال ديغول».