باريس تسمح لواشنطن بمراقبة لوائح المسافرين إلى أميركا باريس ــ بسّام الطيارة
بعد عودة فرنسا إلى الحلف الأطلسي، لو سمع الجنرال ديغول بالاتفاقية الجديدة التي وقّعها وزير الهجرة في حكومة الرئيس نيكولا ساركوزي مع السلطات الأميركية لهوى عن كرسيه. فقد كشفت مصادر وزارة الهجرة أن إيريك بيسون، الذي يشار إليه بالـ«خائن» بسبب انتقاله بين دورتي انتخابات الرئاسة من تأييد سيغولين رويال إلى تأييد ساركوزي، وقّع في واشنطن اتفاقاً جديداً يجيز للشرطة الأميركية إرسال قوة إلى مطار دوراسي وشارل ديغول لمراقبة لوائح المسافرين إلى الولايات المتحدة، في سياق رغبة أميركية بزيادة الرقابة على حدودها. وسيبدأ العمل بهذا الاتفاق بعد أيام (في ٢ أيلول) بوصول أربعة مفتشين فدراليين إلى المطار الدولي في الجناح E.

الشرطة تستطيع منع السفر إلى الولايات المتحدة لأيٍّ كان في أكبر مطارات فرنسا

وقد بررت أوساط الوزير هذا الاتفاق بأنه يأتي لدعم «التعاون عبر المحيط الأطلسي في مجال أمن المطارات ومحاربة الهجرة غير الشرعية». أما دور رجال الشرطة الأميركيين، فسيكون «مراقبة لوائح المسافرين إلى الولايات المتحدة وإبداء النصيحة لشركات الطيران». بالطبع لا يغيب عن بال أحد أن «هذه النصيحة ستكون بشكل أمر لا تستطيع أي شركة تحمل وزر رفضه».
وحسب المعلومات التي توافرت عن هذا الاتفاق، الذي وُقِّع «بعيداً عن الضوضاء الإعلامية» حسب وصف أحد المصادر، فإن المفتشين الأميركيين الذين سيكونون على الأرض الفرنسية والمنتمين إلى جهاز «الجمارك وحماية الحدود» (سي بي پي ـــــ Customs and Border Protection) قد دُرِّبوا خصيصاً لهذه المهمة، بحيث يستطيعون أن «يذوبوا في نسيج جهاز أمن المطار الفرنسي»، ويجيدون اللغة الفرنسية بطلاقة. وسيكون بمقدورهم ليس فقط الاطلاع على لوائح المسافرين بل مراقبة الجوازات وكشف المزورة منها للحد من الهجرة غير الشرعية.
وقد وصفت مصادر مقربة طريقة عمل قوة الشرطة الأميركية هذه بأنها ستتسلم لوائح المسافرين (الذين حجزوا أو المسجلين للحجز أو الترانزيت) قبل ساعتين من إقلاع الطائرة لمقارنتها مع اللوائح الأميركية، وفي حال الكشف عن اسم لشخص «غير مرغوب به»، فهي تصدر إضبارة سميت «نصيحة بعدم قبول المسافر».
وتشدد مصادر وزارة الهجرة على أن «الشرطة الأميركية لا تستطيع منع سفر أحد»، لكن من المستبعد أن تتجاوز السلطات الفرنسية أو أي شركة طيران هذه النصيحة، ما يقود إلى القول إن هذه الشرطة تستطيع منع السفر إلى الولايات المتحدة لأيٍّ كان في أكبر مطارات فرنسا. في المقابل، تقول مصادر الوزارة إن كل قرار منع سفر يجب أن يكون مبرراً، وأن تُبلَّغ «إدارة شرطة الحدود والمطارات» بالأسباب الموجبة.
وفي سياق تبرير هذه الاتفاقية، فإن وزارة الهجرة تشير إلى أن «تسعة مطارات دولية» سبق لها أن وقعت اتفاقيات مماثلة، وأن السلطات الفرنسية «فاوضت منذ سنتين» للوصول إلى هذا الاتفاق بعدما زادت الضغوط الأميركية، وخصوصاً بعد محاولة تفجير طائرة متوجهة إلى ديترويت في كانون الأول الماضي بواسطة إرهابي حمل متفجرات في ثيابه الداخلية. وتضيف أن «الاتفاقية تحمل شروط المعاملة بالمثل»، بمعنى أن باريس يمكنها أن ترسل شرطة فرنسية إلى المطارات الأميركية.
هنا، يبتسم أحد الخبراء، ويسأل: إلى أي مطار؟ وشرح لـ«الأخبار» أن خصوصيات السفر إلى الولايات المتحدة تجعل هذا الأمر صعباً جداً، إذ إن في كل دول العالم مطاراً (أو مطارين) لتوفير رحلات الطيران إلى الأرض الأميركية ولتحط في عدد كبير من المطارات، أي إن عدد المطارات التي توفّر خدمات سفر كبيرة (إلى فرنسا مثلاً سبعة مطارات)، ويسأل مجدداً: إذاً، أي مطار يمكننا أن نغطي أمنياً «إذا لم تضع السلطات الأميركية عصا في دواليب التنفيذ؟»، إذ إن الأميركيين لا يثقون بأحد في مجال الأمن القومي.
وتشير وزارة الهجرة إلى أن «مسألة إرسال شرطة فرنسية» ليست مطروحة حالياً. فقبل توقيع هذه الاتفاقية كانت شركات الطيران قد تعهدت بإرسال «لوائح كاملة» عن المسافرين تشمل معطيات

وزارة الهجرة الفرنسيّة تقول إن الاتفاقية تحمل شروط المعاملة بالمثل

ومعلومات أثارت حفيظة أكثر من جمعية ناشطة في مجال حقوق الإنسان. فالسلطات الأميركية تطالب بمعلومات عن طريقة الدفع، وبالتالي تحصل على معطيات المسافر المالية (اسم المصرف وأرقام حسابه وأرقام بطاقات الاعتماد)، إضافة إلى مراحل الرحلة (مرفأ الانطلاق ومرافئ الترانزيت الجوية)، كذلك فإنها تطالب بجميع المعلومات المتعلقة بـ«طلبات المسافر الخاصة»، وهي إشارة إلى طلبات المسافرين المسلمين لأكل الحلال، ما يمكن أن يعطي إشارة إلى توجهات المسافرين، وهو ما مثّل عدة شكاوى أمام الاتحاد الأوروبي الذي يقول إنه «حصل على تعهدات» بالحفاظ على سرية المعلومات وعدم الاحتفاظ بها أكثر من المدة اللازمة لـ«تأمين السفر».
بالطبع تأتي هذه الاتفاقيات في سياق «توسيع حزام الأمان» حول الولايات المتحدة بعد صدمة أحداث ١١ أيلول، الذي لم يكن في البداية يجد أي معارضة نظراً لفداحة الهجوم الإرهابي، إلا أنه مع الوقت بدأت بعض الجمعيات الناشطة الأوروبية ترى أن «شبكة حصار الحريات الفردية» المنطلقة من الولايات المتحدة تخنق رويداً رويداً مبادئ الحرية التي تقوم عليها الديموقراطية، والتي يراها الناشطون أهم «رادع أمام الإرهاب». فإلى جانب المعلومات التي تكدسها الولايات المتحدة عبر شركات الطيران عن المسافرين، فهي أيضاً تجمع كميات هائلة من المعلومات عن المعاملات المصرفية حول العالم بحجة تجفيف مصادر تمويل الإرهاب، لدرجة أن البرلمان الأوروبي رفض السنة الماضية تجديد اتفاق بهذا الشأن قبل أخذ «تعهدات جدية» حملها نائب الرئيس جوزيف بايدن بنفسه إلى المفوضية الأوروبية، لحماية المواطنين الأوروبيين من وحش المراقبة المعلوماتية.


اللوائح السوداء