باريس ــ بسّام الطيارةبات من المؤكد أن الدعوة إلى مؤتمر مانحين لفلسطين تحت تسمية «باريس ٢» لم تعد قائمة في الأجل المنظور، إذ بات «التفكير في الدعوة» مرتبطاً بعوامل سياسية صعبة التحقيق. وقد برز ذلك بوضوح بعد «عشاء العمل» الذي دعا إليه وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير، وحضره رئيس حكومة تسيير الأعمال الفلسطينية سلام فياض، ووزيرا خارجية النرويج جوهانس ستور ومصر أحمد أبو الغيط، ومبعوث اللجنة الرباعية طوني بلير وممثلة السياسة الخارجية الأوروبية كاترين أشتون. وأكد البيان الختامي المشترك هذه القراءة، إذ دعا المجتمعون «المجتمع الدولي إلى متابعة تقديم المساعدات إلى ميزانية السلطة الفلسطينية» لمواصلة عملية بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية. وقد بدا جلياً من أجوبة المشاركين، خلال مؤتمر صحافي أعقب العشاء، «فتور الاندفاع لعقد مؤتمر جديد». وقد قال أكثر من مصدر لـ«الأخبار» ما مفاده إن من الصعب جداً الدعوة إلى مؤتمر جديد «في ظل غياب أي تقدم على الصعيد السياسي»، لأنه يمكن أن يفسر بأنه «دعوة مفتوحة للاهتمام بالشق الاقتصادي مع تجاوز المسائل السياسية»، وهو ما يتوافق وطروحات بنيامين نتنياهو. والإشارة هنا إلى جمود التقدم في المفاوضات غير المباشرة التي وصفها وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط بأنها «لا تزال سطحية»، ولا تتطرق إلى القضايا الأساسية ومسألة الوضع النهائي.
السلطة تسلّمت 4.7 مليارات يورو من أصل 6.8 مليارات يورو
وقد بان خلال المؤتمر أن جميع المشاركين كانوا «يراضون» أبو الغيط بالتشديد على «الشق السياسي»، بعدما ظهرت علامات التشدد على جبين المسؤول المصري. ولم يتردد بعض الصحافيين المشاركين في المؤتمر في القول «يبدو كأنه شرب حليب السباع». أبو الغيط تماشى مع هذا التوصيف، إذ إنه طلب الكلام مرات عدة، وخصوصاً بعد كل مرة تحدث فيها فياض، ليعود ويشدد على الشق السياسي الغائب عن المفاوضات ويحدد النقاط التي على المفاوضات أن تصل إليها، وذكر منها: الحدود النهائية والأمن والقدس واللاجئين.
ولم يتردد الوزير في التهديد بأن جامعة الدول العربية التي أعطت الضوء الأخضر للمفاوضات غير المباشرة «تنوي التوجه إلى مجلس الأمن في أيلول لطلب إعلان دولة فلسطينية»، إذا لم تحرز هذه المفاوضات غير المباشرة تقدماً جدياً.
من جهته، أشار رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض إلى أن حكومته تعمل على إعداد الدولة الفلسطينية على صعيد المؤسسات، بحيث يصبح «الاحتلال الإسرائيلي وضعاً غير طبيعي». وشدد على ضرورة مواصلة دعم الدول المانحة لخطته التنموية والاقتصادية من أجل إعداد مؤسسات الدولة الفلسطينية المقبلة، وأن هذا العمل يهدف إلى إنشاء «هيكلية راسخة للدولة بحيث تكون حقيقة واقعة».
وقد أعرب المشاركون عن رضاهم عن المجهود والعمل اللذين حصلا على صعيد بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية، وأشادوا بالإدارة المالية الفلسطينية، وبالبدء بتنفيذ الإصلاحات التي كان الجانب الفلسطيني قد تعهد بها. أما من جهة الأطراف المانحة، فقد اشتكت المصادر الفرنسية من امتناع الدول العربية عن الإيفاء بالتزاماتها. ولم تترد في القول «لم يدفعوا شيئاً». وقد اعترفت بأن «دافع عدم الدفع هو عدم تمويل الاحتلال» بغياب أي تقدم للعملية السياسية، وهو ما لا تنكره المصادر، وإن كانت تشدد على أنه «لا يمكننا أن نترك الفلسطينيين».
رغم هذا، فإن الأطراف الدولية ترى أن السلطة الفلسطينية استطاعت أن تحقق ما وعدت به من خلال المساعدات التي وصلت، والبالغة نحو 4.7 مليارات يورو، ومعظمها من الدول الأوروبية، فيما الالتزامات جاوزت 6.8 مليارات يورو. وسألت «الأخبار» فياض بعد المؤتمر الصحافي عن معنى إقامة هيكلية مؤسسات دولة وبنى تحتية في غياب تواصل جغرافي، ليس فقط بين غزة والضفة الغربية، بل أيضاً في الضفة نفسها، بعدما قطّعت المستوطنات التواصل بين أراضيها، فقال «نحن لا نسعى إلى دولة الفتات». وأضاف إذا أريد للمفاوضات أن تنجح وأن يكون هناك حل، «فعلى إسرائيل أن تنسحب من هذه المستعمرات وتعود إلى حدود ١٩٦٧». وأضاف نحن لا نريد دولة «تكتفي باتصال مواصلاتي»، في إشارة إلى ما تتحدث عنه بعض المصادر من «سهولة إقامة جسور وأنفاق».